الثلاثاء، 26 مايو 2009

أغيب و ذو اللطائف لا يغيب

أغيب و ذو اللطائف لا يغيب .


أغيب و ذو اللّطائف لا يغيبُ *** وأرجوه رجاء لا يخيبُ

وأســألــهُ السلامة من زمـان *** بـُليت به نوائبه تـُـشيـب

واُنزل حاجتي في كل حال *** إلى من تطمئن به القلوب

فــكـم لله من تدبير أمر *** طوته عن المشاهدة الـغيوب

وكم في الغيب من تيسير عسر *** ومن تفريج نائبة تنوب

ومن كرم ومن لطف خفي *** ومن فرج تزول به الكروب

ومَــنْ لي غير باب الله باب *** ولا مولا ً سواه ولا حبيب

كــريم منعم برّ ٌ لــطيف *** جميل السـتر للـداعي مجيب

حـليم لا يعاجل بالخطايا *** رحيم غيثُ رحمته يصوب

فيا ملك الملوك أقِـل عِثاري *** فإني عنك أنـأتني الذنوب

وأمرضني الهوى لهوان حظي *** ولكن ليس غيرك لي طبيب

فــآمِـن روعتي واكبت حسودا *** فــإن النائبات لها نيوب

وآنــسني بأولادي وأهلي *** فقد يستوحش الرجل الغريب

ولــي شجن بأطفال صغار *** أكــاد إذا ذكــرتهم أذوب

ولــكني نبــذت زمام أمري *** لـمن تدبيره فينا عجيب

هو الرحمان حـولي واعتصامي *** به وإليه مبتهلا أ ُتيب

إلــهي أنت تعلم كـيف حالي *** فهل يا سيدي فرج قريب

فــيا ديـان يوم الدين فرج *** هـموما في الفؤاد لها دبيب

وصل حبلي بحبل رضاك وانظر*** إليّ وتب علي عسى أتوب

وراع حـمايتي وتول نصري *** وشُـدّ عُراي إن عرت الخطوب

وألــهمني لــذكرك طول عمري *** فإن بذكـرك الـدنيا تـطيب

وقــل عــبد الرحــيم ومن يلــيه *** لهم في ريف رأفتنا نصيب

فظــني فيك يا سندي جميل *** ومرعى ذود آمــالي خصيب

وصــــلّ عـــلى النبي وآلـه *** ما تــرنّم في الأراك الــعندليب

الثلاثاء، 12 مايو 2009

سر توقف الإسلام في أفريقيا



قارة أفريقيا أحدي البقاع التي شهدت انتشارا كبيرا للإسلام, وهو ما حدا بالدكتور حمدان بالقول في كتاب سابق له بعنوان "أفريقيا الجديدة" قام بتأليفه في الستينات , يتنبأ فيه بتحول كل القارة السمراء إلى الإسلام ,, لكن للأسف شهد انتشار الإسلام بطئ نسبي ويفسر هنا هذا التراجع بقوله:

الظاهرة الحقيقية والحيرة للغاية هي الانقلاب الذي طرأ علي وضع الإسلام ودرجة تقبله أو رفضه في أفريقيا الجديدة بعد التحرر, فقديما كان التحول للإسلام يتم في سهولة وسلام وبإقبال شخصي شديد من أصحابه الذين يرونه وسيلة للتحرر والكرامة, لكن بعد التحرر السياسي وخروج الاستعمار حدث العكس, وأصبحت هناك عقدة نفسية ضد الإسلام ورفض حاد له باعتباره وسيلة لسلب الإنسان من حريته الشخصية.

لا شك أن أصابع الدول الاستعمارية خلق ذلك في الحالين, فقد كان الاستعمار لا يحارب الإسلام علنا أو مباشرة , ولكنه كان يحاصره بطرق غير مباشرة, فقد كان يعطي كل الفرص للوثنين المتنصرين أو المسيحيين من فئات الاستعمار , فكانوا "متأوربين" وجاهزين للسلطة والحكم حين ذهب الاستعمار بينما كان المسلمون في كتاتيبهم ودراساتهم الدينية لا يصلحون لشئ فعلا. وبعدها بدأت الدولة الجديدة تحارب الإسلام, فتحول من المد إلى الجزر.

الخميس، 7 مايو 2009

كونتا عمر كينتا..الزنجي الذي تحول إلى أسطورة











في بداية ربيع 1750 , وفي قرية "جوفور" علي مسيرة أربعة أيام من ساحل جامبيا في غرب أفريقيا ولد طفل ذكر لـ"عمر" "Omaro" و"بينتا كنت" مستمدا قوته من جسد بينتا القوي, وكان أسود مثلها تجري في عروقه دماؤها.

تلك كانت مقدمة رواية الجذور Roots للكاتب الأمريكي اليكس هايلي (1921 – 1992) الصادر عن مكتبة مدبولي في 730 صفحة من الحجم المتوسط, والجذور هي ملحمة عائلة أمريكية غير عادية لرجل يبحث عن أصوله, يحكي فيها اليكس قصة حياة جده الأفريقي كونتا كنتي وكيف تم أسره بواسطة تجار العبيد وبيع في أمريكا , صدرت هذه الرواية عام 1976, وترجمت إلى 37 لغة وبيع منها أكثر من 50 مليون نسخة وأصبحت أساسا لمسلسل تليفزيوني حمل نفس الاسم حقق نجاحا كبيرا.

كشفت الجذور عن الطريقة الهمجية التي مارستها أوروبا في اصطياد الأفارقة وبيعهم كعبيد في أوروبا وأمريكا للعمل بالسخرة في مزارع العبيد دون أن ينالوا أي حقوق أدمية, وكان للرواية صدي كبيرا في الأوساط الأمريكية والعالمية, وحفرت أسم كونتا كنتي في أذهان الملايين من شعوب العالم حتى أصبح رمز من رموز التمر علي العبودية... ولنقرأ سويا في الرواية:

فرح "عمر" بميلاد ابنه كثيرا, واختار له اسم "كونتا" وهو اسم جد الطفل "كيرابا كونتا كنتي" الذي جاء من موريتانيا إلى جامبيا حيث أنقذ أهل "جوفور" من المجاعة.. فقد أصيبت القرية بقحط شديد, حيث لم تكن هناك أمطار كثيرة كافية, ورغم أن الناس قد دعوا الله كثيرا إلا أن كل شئ كان يموت ويفني, ووقع المزيد من الناس مرضي, وترك البعض الأخر القرية هربا حتى أرشد الله خطوات الولي الصالح "كايرابا كونتا كنتي" إلى القرية فإنقاذها من الجوع.

عاش كونتا مع أسرته حياة هادئة, يسودها السلام, وفي جوانب العرض الرائع لاليكس هالي نلمح كيف كان سكان "جامبيا" يتمسكون بالإسلام , فعندما أصابهم يوما ما قحط فضلوا أن يموتوا جوعا علي أكل الخنازير.. وعندما بلغ كونتا السن التي تؤهله للعمل خرج لرعي بعض الماعز لوالده..وبعد الرعي يذهب إلى كتاب القرية لحفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية.




أفريقيا..ليست شبح دخان

الشائع لدي الكثير منا أن أفريقيا هي غابات وأحراش يسكنها قوما لا يفقهون شيئا, قد كان للفكر الاستعماري دور في ترويج هذه الشائعات لخدمة أغراضه الاستعمارية.

ومن خلال قراءتنا للرواية يذكر هايلي الكثير عن الحضارة الأفريقية.. فالقوافل تجوب أفريقيا من الشمال إلى ساحل أفريقيا الغربي, يقول الكس: " لكن حتي "غانا" لم تكن أغني الممالك السوداء. بل كانت الدولة الأكثر ثراء علي الإطلاق والأقدم عمرا هي مملكة مالي . ومثل كل الإمبراطوريات والممالك كان لـ"مالي" مدنها ومزارعها وصناعها وحدادوها ودباغوها.

ولكن ثروتها الضخمة أتت من طرق التجارة البعيدة في الملح والذهب والنحاس, والمسافة إليها تستغرق أربعة أشهر من السفر طولا ومثلها عرضا, وأعظم المدن هي المدينة الخرافية "تمبوكتو" وهي المركز الرئيسي الهام للتعليم في كل أفريقيا وكانت مسكونة بآلاف الطلبة ويزورها العديد من أفواج الزائرين من الحكماء بحثا عن زيادة معلوماتهم".

تجارة العبيد

حكت عجوز في القرية لكونتا عن تجارة العبيد فقالت: لقد هجم الرجال البيض ومعهم السود الخونة علي قريتها, أشعلوا النيران فيها, ومن نجا من النيران واستطاع الهرب من لهيبها وجد في انتظاره المغيرون البيض ومعهم الخونة السود, ويتم اقتيادهم في وحشية, أما الذين جرحوا بشدة أو العجائز أو الصغار ممن لا يستطيعون السفر فيقتلوا أمام أعين الأخرين.

ويتم ربط المساجين المساكين من رقابهم معا بالحبال ويقتادوا عبر الجو الحار والقاسي لعدة أيام, ومن يبطأ في حركته يسقط السوط علي ظهره, وبعد أيام قليلة كان المزيد من المأسورين يسقطون من الجوع والارهاق, والبعض قاوم, ومن لم يستطع المقاومة يتم تركه فريسة للحيوانات المتوحشة.

ولأن البيض كانوا أكبر مصدر للخطر فقد حرص "عمر" على تحذير ابنه من الخروج بمفرده إلى مكان بعيد عن القرية, وتحدث عمر مع ولديه "كونتا" و"لامين" شقيق كونتا فقال لهم أنه و شقيقيه "جانيه" و"سولوم" قررا الذهاب في رحلة ليروا مع يفعل "الطوبوب" – وهو الأسم الذي كان الأفريقيين يطلقوه علي الرجال البيض – وسار الإخوة الثلاثة علي طول ضفتي نهر "كامبي بولونجي" – نهر جامبيا- إلى أن عثروا علي عشرين زورقا ضخما, ويقوم البيض بوضع الأسري في "زرائب" طويلة من البامبو عليها حراسة قوية, وعندما تحضر الزوارق الصغيرة فإن الناس المسروقين يجرون خارج تلك الزرائب علي الرمال وقد حلقت رؤوسهم وطليت أجسامهم بالشحوم لتلمع, ويقوم البيض بفحص أسنان السود, والتفتيش علي الأجزاء السرية للرجال والنساء, ثم يدفعونهم بأختام معدنية حامية علي ظهورهم وأكتافهم وبعد ذلك يشحن الناس وهو يقاومون ويصرخون فوق الماء حيث تنتظرهم زوارق صغيرة لتنقلهم إلى الزوارق الكبيرة. ومن يقاوم أثناء وجوده في الزورق ويسقط في الماء يكون فريسة سهلة لأسماك القرش.

تدريبات الرجولة

وصل كونتا الآن إلى سن العاشرة, وتخرج في كتًاب القرية بعد ان نجح في كتابه اسمه باللغة العربية وقرأ بعض آيات من القرآن الكريم, وأنتقل كونتا ورفاقه من نفس السن بعدها إلى مكان بعيد عن القرية ليتلقوا فيه تدريبات الرجولة.. حيث كان سكان جامبيا قد تعودوا في ذلك الزمن على ارسال أولادهم إلى معسكر خاص يشرف علي تدريب أولادهم ليصبحوا رجالا أشداء يعتمد عليهم ويتحملوا بعدها تكاليف الحياة.. وقد ساعدت التدريبات التي تلقاها "كونتا" حينما صار عبدا في أمريكا.

في الأسر

صلي كونتا صلاة الفجر وأخذ نفسا عميقا وانطلق نحو المجري المائي بسرعة ومعه كلبه "الوولو" من أجل البحث عن خشب في الغابة يصلح كاطار لطبلته.

وجد جذعا منحنيا واعتقد أنه المطلوب عندما سمع رفرفة حادة لجناحين تبعها بسرعة صياح ببغاء فوق رأسه, استدار بسرعة وفي لمح البصر رأي وجه أبيض مندفعا نحوه وهراوة تٌرفع وسمع صوت خطوات ثقيلة خلفه.. دخل كونتا في معركة غير متكافئة مع عدد من الرجال.. بذل أقصي ما يستطيع ليفلت منهم..غرس اسنانه في لحمهم وأدخل أصابعه في عيونهم ..ويهوي فرع الشجرة علي رأس كونتا..أخذ يحاول الوقوف علي قدميه وهو يتلوي بوحشية ويحاول التملص ليهرب من المزيد من ضربات فرع الشجرة والدماء تسيل من رأسه المشقوق..تساءل : كيف لم يسمعهم ولم يشمهم ولم يحس بهم؟

مرة أخري يصطدم فرع الشجرة برأس كونتا..كان رأسه علي وشك الانفجار وجسده يرتجف والغضب يتملكه من ضعفه وتراجع للخلف وزأر وهو يطير في الهواء وكل شئ أصبح غير واضح.. إنه يقاتل الآن من أجل أكثر من حياته من أجل عمر وأمه بينتا وأشقاه..اصطدم فرع الشجرة برأس كونت أصبح كل شئ اسود.


في قبر السفينة

هذا هو الجزء الذي وصفه الكس هالي بأنه كان أصعب جزء علي نفسه عند كتابة "الجذور" , كيف يصف في كلمات رحلة العذاب الطويلة التي تقطعها السفينة من ساحل أفريقيا إلى ساحل أمريكا الشرقي.. رحلة تمتد لعدة أشهر عبر محيط متقلب الأجواء وفي مكان أقل ما يوصف أنه قبر. ولنقرأ في الرواية:

استيقظ كونتا ليجد نفسه نائما علي ظهره بين رجلين آخرين في حفرة من الظلام مملوءة ببخار الحرارة والرائحة القذرة التي تصيب بالمرض.. وهرج مجنون من الصراخ والعويل والتوسل والقئ.. كان كل جسده كتله من الألم والضرب الذي تلقاه لمدة أربعة أيام. وفي ثورة الغضب العارم أخذ كونتا يشد ويركل الكلبشات التى تربط وسطيه وعقبيه, ومد رأسه لأعلي فاصطدمت بالخشب ..انصت السمع فسمع المزيد من الصرخات ولكنها كانت مكتومة وآتيه من أسفل ألواح الحشب المتشققة التى استلقي فوقها.. انصت بانتباه أكثر وبدأ يتعرف علي مختلف اللغات. وفوق كل اللغات جاءت صيحة بالعربية من أحد "الفولاني":
- الله في السماء ساعدني.

أجبرت الرائحة النتنة كونتا علي اخراج ما بطنه..تساءل أي خطيئة ارتكبها ويعاقب عليها بهذه الطريقة؟ توسل الى الله ان يجد أجابة. كان يكفيه خطيئة أنه لم يصل مرة واحدة منذ الصباح الذي ذهب فيه إلى الغابة ليصنع طبلته . ورغم أنه لا يستطيع أن يقعد علي ركبتيه ولا يعرف حتي اين اتجاه القبلة فإنه أغمض عينيه حتي استلقي وصلي طالبا مغفرة الله.


رفض كونتا الطعام الذي يقدم له ..لم يكون طعاما إنما شئ صلب لا تتحمله المعدة.. كانت رحلة عصيبة, عاني فيها المحبوسون من آلام الأسر , والجوع , الرائحة النتنة من قياءهم وبولهم وبرازهم, وقرصات قمل الجسد, امتلا كل المحبس بالقمل والبراغيث, والفئران ضخمة الحجم التي كانت تعض الجروح المتقيحة.

الوصول إلى أمريكا

وصلت السفينة لورد ليجونيار Lord Lingonier إلى ميناء أنابوليس في 29 سبتمبر 1767, سيطرت علي كونتا فكرة الهرب لكنه تذكر صوت مدربه في معسكر الرجولة: الرجل الحكيم من يتعلم من الحيوانات التي تقع في الأسر فتبدو أنها استسلمت حتى توفر طاقتها وفي الوقت المناسب تلوذ بالفرار من صيادها.

وفي المزاد, قام جون وولر بشراء كونتا بمبلغ 850 دولارا, كان كونتا يعلم فقط أن عليه أن يهرب من هذا المكان المخيف أو يموت في المحاولة. لم يجرؤ علي الحلم أن يري "جوفور" مرة ثانية ولكن إذا فعل فقد أقسم أن كل جامبيا ستعلم كيف تبدو أرض "الطوبوب".. حاول الهرب أربعة مرات.. وبعد كل محاولة هرب فاشلة يتعرض لأقسي أنواع التعذيب لكنه يصر علي الهرب.. رفض أن يأكل من لحم الخنزير حتى لو مات جوعا ..حرص يوميا علي التوجه بالصلاة إلى الله ليساعده علي نيل حريته ..بعد أن فشل في محاولة الهرب الثالثة وأصيبت قدمه بطلق ناري فكر في محاولة جديدة للهرب..أختبأ في عربة لنقل التبغ..أحس بالسعادة حينما وجد نفسه يقفز من صندوق العربة دون أن يلاحظه أحد ..اختبأ داخل دغل, وظل يجري نحو الشرق نحو أفريقيا, لكن كيف يعبر المياه العظيمة, ليكن معه الله, لكن ما هذا؟ أنه يسمع نباح كلاب ..هل عثروا عليه مرة أخري؟ استدار ووقف في فسحة صغيرة, كان ممسكا بفرع شجرة في يده اليمني, وأشاح بالفرع في وجه الكلاب فتقهقرت بعيدا عنه, كان مطارديه رجلان من البيض الذين يصطادوا السود الذين يهربون من أسيادهم.

دخل في معركة معهم وضرب احد الرجلين بحجر في وجهه, فمرقت رصاصة بجوار أذن كونتا والكلاب أصبحت فوقه, وضربه احدهم بكعب البندقية في رأسه, صارعوه بعنف نحو شجرة ومزقوا ملابسه وخلعوها عنه وقيدوه بقوة حول جذع الشجرة, وأمسك أحد البيض بفأس صغيرة وأشار إلى قدم كونتا, وأمسك الأخر بسكين وأشار بها إلى جهازه التناسلي, صرخ كونتا صاح في أعماق نفسه أن أي رجل ليكون رجلا يجب أن يكون له أبناء .. وطارت يد "كونتا" لتغطي أعضاءه..وهوت الفأس علي قدم كونتا فأطاحت بمقدمتها وصار كل شئ مظلما.

غضب السيد ويليام وولر من قطع قدم كونتا فقام يشراءه من أخيه.. وعالجه من الجرح...وفي مزرعة استطاع "كونتا" أو "توبي" كما كانوا يطلقون عليه أن يبدأ حياة جديدة ويتاقلم بعض الشئ مع السود الذين يعملون في نفس المزرعة

وتكشف "الجذور" عن المعاناة التي قاساها الأفارقة في ظل العبودية.. يقول اليكس "كانت كل القوانين في أمريكا تصب ضد مصلحة السود, فإذا ضبط أبيض زنجي يحاول الهرب يمكنه أن يقتله ولا عقاب عليه, ولا يسمح القانون للزنوج بحمل السلاح أو حتى عصا, ويقول القانون عشرين جلدة إذا تم أمساك أسود دون تصريح سفر, وعشر جلدات إذا نظر إلى البيض في عيونهم, وثلاثين إذا رفع يده ضد مسيحي, ولا جنازة لزنجي حتى لا تنقلب لاجتماع, ويقول القانون تقطع أذن الزنجي إذا اقسم الناس البيض انك تكذب والأذنان إذا ادعوا أنك تكذب مرتين, والقانون يقول إذا قتلت ابيض تشنق وإذا قتلت زنجيا أخر تجلد"


الجذور

تزوج كونتا في سن الـ39 من "بيل" الطاهية في المنزل الكبير, وأنجب منها بنتا في 12 سبتمبر 1790 اسماها "كيزي"..كانت تقريبا في نفس سواده, وأصر كونتا علي تعليم ابنته كل شئ عن أفريقيا, لكنه شعر بالغضب الشديد عندما أردت أمها ان تذهب بها للكنيسة لتعميدها.. وفي كل جولة كانت تخرج معه الطفلة كان يسمي لها الأشياء بلغة المانديكا .."أشار إلى نهر صغير ضحل كانا يمران به فقال "بولونج" وأخبرها أنه في وطنه كان يعيش بالقرب من نهر يسمي "كامبي بولونجي".

وعندما بلغت "كيزي" تعرفت علي "نوح", وهو شاب يكبرها بسنتين..فكر نوح في الهرب إلي الشمال ومن هناك يستطيع أن يعمل ويشتري حرية كيزي..وافق كونتا علي ذلك بشرط أن لا تدخل كيزي في عملية الهرب لكن نوح احتاج على تصريح مرور ليقدمه للسلطات اذا اعترضت طريقة فقامت كيزي بتزوير التصريح..لكن السلطات اكتشفت التزوير وقامت بتعذيب نوح حتى اعترف أن "كيزي" هي التي كتبت التصريح.. وحينما علم سيدها بالأمر أصر علي بيعها.

أصيب كونتا بالصدمة حينما سمع الخبر, أنها ابنته الوحيدة..حاول أن ينقذها بكل ما يستطيع "انقذني يا والدي" فأمسك بالسلاسل في جنون ..عندها دوت رصاصة من مسدس الشريف بجوار أذن كونتا فوقع علي ركبته وأحس برأسه يكاد ينفجر..هجمت "بيل" علي الشريف فلطمها بقوة أطاحت بها على الأرض وقام بحمل كيزي ووضعها في العربة وانطلق بها مهرولا..حاول كونت ان يتشبث بالعربة وراح يجري وراءها في ذهول حتي اختفت السيارة ..لقد ذهبت كيزي ولن تعود ..ولن يراها مرة اخري.

ومن هذه النقطة لن تحدثنا الرواية عن باقي حياة كونتا كنتي ..كانت سنه آنذاك 55 سنه.. وتنتقل بنا الرواية لتحكي لنا المأساة التي تعرضت لها كيزي..فقد اشتراها سيد جديد من ولاية كارولينا اسمه توم لي..كان مجرد أفاق حتى نجح في جمع ثروة من مصارعة الديوك ..في الليلة الأولي لكيزي في مزرعة توم لي قام باغتصابها بطريقة وحشية, واستمر يمارس ذلك لسنوات .

أنجبت كيزي ولدا في شتاء 1806 ..كانت تتمني ان تسميه كونتا أو كنتي ..لكنها خشت غضب سيدها ..الذي أطلق علي الصبي اسم "جورج", وصمتت كيزي أنها تجعل حفيدا لرجل أفريقي مهما كانت وضاعة منبته ومهما كانت كان لونه فاتحا ومهما كان الاسم الذي سيطلق عليه .

وعندما بلغ جورج سن الثالثة بدأت كيزي تحكي لابنها عن جده الأفريقي "أنه طويل وبشرته سوداء كالليل ويميل الى الوقار الشديد, لقد جاء علي سفينه قادمة من أفريقيا إلى مكان يسمي نابلس , وبيع إلى السيد جون وولر لكنه حاول الهرب مرات , وفي المحاولة الأخيرة قبضوا عليه وقطعوا جزءا من قدمه" .."يا بني ..أنني أمتني لو كنت استمعت له وهو يغني لي تلك الأغنيات الأفريقية أثناء ركوبنا عربة السيد , وكان يحلو له أن يسمي الأشياء بأسمائها الأفريقية مثلا "الكمان" كو ko أو يسمي النهر كامبي بولونجو". وقد أصبح هذا تقليدا في ذرية كونتا كنتي يقوم الأب أو الأم بتلقين الأطفال كل شئ عن تاريخ جدهم الأفريقي.

وأخيرا الحرية

في 1861 اندلعت الحرب الأمريكية بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية التي تمسكت بالحق في استعباد الأفارقة, أسست هذه الولايات ما سمي الولايات الكونفدرالية الأمريكية وأعلنت انفصالها عن باقي الولايات الشمالية, كانت أيام عصيبة علي ذرية كونتا وهي تتابع تطورت الحرب التي ستحدد مستقبلهم.

وفي 1862 أصدر لنكولن إعلان تحرير العبيد جاعلاً من تحرير العبيد في الجنوب هدفاً للحرب, وسري الخبر كالوميض بين ملايين الزنوج في الجنوب. وأخيرا في ابريل 1865 استسلم الجنوب وخرج الزنوج يقفزون هنا وهناك ويرقصون ويصيحون ويغنون صلاة الشكر لله "أحرار ..لقد أصبحنا أحرار يا ألهي".

شكرا لك يا سيد أبراهام لينكولن.

حجر رشيد والجذور

كيف جاءت فكرة كتابة الجذور؟ في عام 1962 أجري ألكس حوارا مع مالكوم أكس ونشر كتابا عنه بعنوان "ترجمة حياة مالكوم اكس" ..وبعد استشهاد مالكوم أكس سافر الكس إلى لندن وزار المتحف البريطاني , ووجد الكس نفسه ينظر مبهورا غلى حجر رشيد ..لقد عكف عليه العالم الفرنسي شامبليون قرابه عشرين عاما لحل لغز الحضارة المصرية ..يقول ألكس " وأعجبت بذلك المفتاح ..وبدأت احس ان له دلالة شخصية بالنسبة لي.. وأثناء عودتي بالطائرة إلى أمريكا هبطت عليه الفكرة فجأة: أن العالم الفرنسي تمكن من فك طلاسم لغة مجهولة وذلك بمعادلتها مع لغة معروفة".

استخدم الكس أسلوب مشابه بعض الشئ ..فالتاريخ غير المكتوب والذي سمعه من جدته واقاربه كان متضمنا تلك الكلمات أو الأصوات الغريبة غير المعروفة له : فقد قال جدي الأكبر أن اسمه كين تاي kin tay , وكان يطلق علي نهر بفرجينيا اسم "كامبي بولونجى" وقد تكون هذه الأصوات قد تعرضت لبعض التحريف بسبب تناقلها عبر الأجيال.

وبدأت رحلة البحث

بذل الكس جهدا كبيرا علي مدار 12 سنه للوصول إلى جذور عائلته وجده الأفريقي ..اتصل الكس بدكتور متخصص في الشئون الأفريقية, وأكد له أن الأصوات التي رواها جده تعتبر من لغة "ماندينكا" mandinka وأن كلمة كو ko هي آله موسيقية أفريقية وكلمة كامبي بولونجى تعني نهر جامبيا.

سافر الكس إلى دكار عاصمة السنغال وتقابل مع عدد من الرجال المسلمين المشهود لهم بسعة الاطلاع في تاريخ دولتهم , وأكدوا له أن كلمة كامبي بولونجو تهني نهر جامبيا , وان كلمة كين تاي kin – tay قد تكون تحريف للقب عشيرة كنتا الشهيرة في جامبيا, وبالتالي فعلى "الكس" أن يقابل أحد "الشعراء المؤرخون" وهم رجال طاعني في السن ويعدون بمثابة أرشيف حي متنقل للتاريخ غير المكتوب..يستطيع الواحد منهم أن يقص حكايات وتواريخ القري والقبائل والعائلات والعشائر والأحداث التي حدثت من قرون عديدة مضت بكل دقة علي مدي ثلاثة أيام متواصلة دون أي تكرار لما يقولونه.

وبالفعل عثر الرجال علي شاعر مؤرخ في قرية "جوفيور" وسافر الكس دون أن يعرف أنه يسافر إلى قرية جده الأفريقي.. قام الشاعر المؤرخ بعرض تلخيص جوهري لتاريخ عشيرة "كنتا" التي بدأت في "مالي القديمة"... وذات يوم هاجرت أحدي فروع العشيرة إلى دولة "موريتانيا" ثم قام أحد أبناء هذه العشيرة ويسمي "كيرابا كونتا كينتا" وهو رجل "مرابط" – من المرابطين أتباع الشيخ عبد الله بن ياسين – برحلة طويلة إلى أن وصل إلى الدولة التي تسمي جامبيا.. واستمر الشاعر يسرد باقي تاريخ آل كنتا إلى أن قال " وتزوج "عمر" من "بينتا كنت" وأنجبت له من عام 1750 إلى 1760 : كونتا – لامين – سوادو – مادي.

وفي حوالي الوقت الذي جاء فيه جنود الملك ذهب كونتا إلى مكان بعيد عن قريته لكي يقطع بعض الأشجار ولم يشاهده أحد بعد ذلك إلى الأبد..."

أصيب الكس بذهول شديد , فالشاعر قد أعاد علي سمعه ما سبق أن سمعه من نساء عائلته في ولاية تنيسي .. وحينما أخبر الشاعر أن كونتا هو جده الأفريقي الذي يبحث عنه فرحت جميع قرية "جوفيور", وذهب اليكس مع الرجال إلى المسجد الذي أدوا فيه الصلاة باللغة العربية, وكانوا يقولون " نحمد الله ونشكر فضله . فقد أعاد إلينا واحدا منا كنا فقدناه منذ أمد بعيد".

وفي 29 سبتمبر 1967 وقف الكس هايلي علي رصيف ميناء أنوبوليس في نفس اليوم الذي رست فيه السفينة التى جلبت جده من أفريقيا, وأصبح "كونتا كنتي" أحد رموز الثورة علي العبودية, وسار علي طريقه من بعده مالكوم أكس ومارتن لوثر كينج, وفي يناير 2009 دخل باراك أوباما البيت الأبيض كأول رئيس أمريكي اسود..لقد انتصر كونتا كنتي علي جلاديه.

ونختم عرضنا هذا بتوجيه تحية إلى أثنين, ألحا علي كثيرا أتناء قيامي بهذا العمل, الأول محرر العبيد الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن , والثاني الفاروق عمر, وأتذكر كلمته لوالي مصر عمرو بن العاص يعنفه لأن ابنه اعتدي علي قبطي " يا بن العاص ..متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".