الثلاثاء، 14 فبراير 2012

ليس ذنبهم أن يومك كان سيئا !

الحياة معترك صعب.. كثيرة هي مشاكلها.. لكن لا ذنب للصغار أن يكتووا بنيران المصاعب التي تواجه الكبار.

كل يوم.. يمر الآباء والأمهات في حياتهم الخاصة بمواقف صعبة , فالحياة ليست نزهة على شاطئ السعادة تمر هادئة , وادعة .. فهناك ما قد يعكر صفوها , فهذا يشكو ويئن من مشكلاته مع زوجته , وغدر الأصحاب , وسخافات المدير , وازدحام الطرق , وغلاء الأسعار , واستغلال الجشعين.. فيعود إلى البيت وهو يحمل على أكتافه كل تلك الهموم.. يقابله أطفاله سعداء , يمزحون معه , فلا يجدون إلا صدا ونفورا.. لقد أصبح كارثة تمشي على الأرض!.

وفجأة.. يرتكب الطفل خطأ بسيط , فتتجمع كل سحب الغضب في عقله , وتمطر صراخا وغضبا على الأطفال.

تلك الأجواء الغاضبة العاصفة لا تُنبت في نفس الأطفال إلا الحزن , ويتساءلون في عجب: ما خطأنا أن يوم أبانا كان سيئا!!.
تقول سارا بادكليف في كتابها الرائع "التربية":
" أننا حينما نشعر بالتوتر ننقل مشاعرنا السلبية إلى الأطفال..
قد لا يكون الإرهاق وحده سبب كل متاعبنا..
قد نعاني من مشاكل في العمل..
أو عدم توافق أسري بين الزوجين..
بإمكان كل ذلك إطلاق نوبات غضب.. والنتيجة أن يجد الصغار أنفسهم متواجدين مع كبار يشعرون بالتعاسة.
ويفسر الأطفال تلك التعاسة على أنهم هم السبب فيها..
ولا يستطيعون إدراك إمكانية أن يكون لدي الوالدين مشاكلهما الخاصة بهما".


الآن.. لنعيد المشهد السابق بطريقة عكسية..
يعود الأب إلى البيت , يترك على عتبته كل همومه وأوجاعه.. يفتح صدره لأطفاله , فيرتموا في حدائقه , فيزرعوا فيها فرحة وسعادة , ينثروا على وجهه قبلات , تضيء ابتساماتهم روحه , تغسل كلاماتهم البريئة همومه .

ألن يكون هذا الأب سعيدا ؟ وينقلب كدر اليوم إلى فرح ؟ ألن تمده ابتسامات الأطفال بطاقة تدفعه إلى مزيد من تحدي الحياة والسعي فيها؟ .

في هذا المعني الرائع..يقص علينا عالم النفس الشهير "نورمان فنسنت بيل" في كتابه "الحياة بلا خوف" قصة فتاة في أحدي قري اسكتلندا , ترملت وهي في السادسة والعشرين من عمرها , ترك لها زوجا عدد من الأطفال الصغار , ورغم ذلك استطاعت أن تمضي في بحر الحياة المتلاطم حتى صار أولادها رموزا في المجتمع. كيف ذلك؟

يقول بيل: بعد أن انقضت فترة الحداد كان لها أن تساعد هؤلاء الصغار.. عملت في الحقل الذي تركه زوجها الراحل.. كانت البداية شاقة متعبة.. فبأي قوة كانت ترعي شئون الأطفال في البيت؟ّ!.

"كانت تعود إلى بيتها بعد غروب الشمس , متهالكة متعبة , ولكنها لا تكاد تلتقي بصغارها الذين قضوا النهار في انتظار عودتها وتري تلك الابتسامات الحلوة التي تملأ وجوههم وهم يلتفون حولها , حتى تقفز من رقدتها , وتسرع إلى المطبخ لتعد لهم وجبة الطعام الوحيدة التي يملئون بها معدتهم الخاوية".

وفي الصباح تري زهورها الصغيرة وقد كبرت يوما , والابتسامات تفوح منها , فتسري الطاقة في جسمها تحثها على مزيد من العمل والكد من أجل أن تكبر الزهور وتصير رجالا ونساء عظماء في المجتمع . وهو ما كان.


بعض الآباء والأمهات يزعمون أن سفينة يومهم حينما ترسو في البيت تجبرهم على طلب الراحة لذلك الجسد المكدود , فلا يقدرون على المزاح مع الأطفال أو تحمل أخطائهم الساذجة..
وتلك والله حجة باطلة!.


رسولنا × كان إذا أقبل من سفر , استقبله الصبيان , فيحمل بعضهم بين يديه , وبعضهم خلفه.. وكان يأمر أصحابه أن يفعلوا مثله..لا يمنعه من ملاعبة الأطفال..جسده الذي يطلب بعض الراحة والسكينة بعد رحلات الجهاد الشاقة التي يخوضها في سبيل الله تحت حرارة شمس الصحراء الحارقة والسير فوق رمالها الساخنة.

ويروي الشيخان عنه × أنه كان يقول: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله).


الدكتور سبوك في كتابة "تربية الأبناء في الزمن الصعب" يقدم لنا نصيحة هامة فيقول:
" لا تجعل الطفل سببا لكل منغصات حياتك فتنفجر فيه وكأنك تنهال ضربا على ظروفك الصعبة".

فلا تستخدم الإزاحة في معاقبة الأبناء..
لا تنقل العقاب من طرف أقوي إلى طرف أضعف..
تعاني المشاكل مع مديرك في العمل , فلا ترد عليه , وتصب غضبك على أبنائك في البيت.
والأم لا تستطيع أن تتعامل مع زوجها فتكيل الضرب والسب على الصغار.

لهذا ...قبل أن نعاقب أبنائنا علينا أن نبحث في أعماقنا أولا.. ونحل مشاكلنا مع أنفسنا قبل أن نحل مشاكلهم.