الاثنين، 17 فبراير 2014

رحلة الشهاب إلى بلاد الأحباب .. كتاب يؤرخ لهروب موريسكي من جحيم إسبانيا لنور الإسلام


في عام 1599 استطاع أحد الموريسكيين الفرار من الحصار الإسباني المضروب على سواحل البحر المتوسط  ، ليعبر بعد مغامرة مثيرة إلى مدينة “الجديدة” بالمغرب ، التي كانت تخضع آنذاك للاحتلال البرتغالي ، وبعد محاولات وتحايل على حراس المدينة استطاع خداع قائدها والفرار إلى أرض الإسلام ..
ويوفده السلطان في مهمة إلى هولندا ويناقش أميرها في خطة لاستعادة الأندلس ، ويناظر علماء الدين في أمستردام وباريس ..
وبعد تلك الأحداث بسنوات يكتب لنا بلغة عربية راقية قصة مغامرته ، وكيف تعلم العربية في الأندلس ، حتى صار مقربا من القساوسة ، وكيف وصل إلى البحر رغم الرقابة الصارمة ، وكيف فر إلى بلاد الأحباب بعد أهوال عاشها طول رحلة الهروب الكبير.
هذا الموريسكي هو أحمد بن القاسم بن أحمد الفقيه قاسم ابن الشيخ الحجري والمعرف بالشهاب الحجري.. وكلمة الموريسكي تطلق على المسلمين الذين ظلوا في الأندلس بعد سقوط مملكة غرناطة عام 1492م..
والكتاب يحمل اسم ” رحلة الشهاب إلى بلاد الأحباب”. والأحباب هنا هم إخوانه في عدوة المغرب.. ويعد أهم مصدر تاريخي كُتب بعد طرد الإسبان المسلمين من الجزيرة الأيبيرية عام 1609.
الشهاب الحجري هو مثال للمثقف في زمانه ، يجيد عدة لغات: العربية والإسبانية والبرتغالية والفرنسية ، والأخيرة يفهمها ولا يتكلمها .. مما أهله كي يتبوأ مكانة عالية في البلاط المغربي ، ويرسله السلطان في سفارة إلى بلاد فرنسا وهولندا .. وهناك نطالع معه محاوراته ومساجلاته في علم مقارنة الأديان ، ونتابع مناظراته مع علماء اليهود والنصارى.
وتبدأ مغامرة الشهاب الحجري حينما يقوم كبير قساوسة مدينة غرناطة بهدم صومعة قديمة في الجامع الكبير ليجد في جدرانها صندوق من الحجر ، يضم أوراقا مكتوبة بالعربية والعجمية ونصف خمار السيدة مريم عليها السلام.
كان الاكتشاف مذهلا ، وأراد القسيس الكبير أن يعرف المكتوب بالعربية ، وكانت التكلم بها من العقوبات التي تستوجب القتل ، بيد أنه استعان ببعض من كبار السن من الأندلسيين.

وبعد تلك الحادثة بسبع سنوات “جاء رجل من مدينة جيان ببعض كتب بعثها له بعض الأسارى من بلاد المغرب فيها ذكر كنوز في بعض المواضع ، فكان ذلك الرجل بقرب غرناطة على بعد ميل منها أو نحو ذلك ، وكان الموضع يسمي بخندق الجنة”.
ذهب الرجل إلى الموضع ، وحرك حجرا ، فوجد تحته غارا ، وفي ركن منه كلمات كتبها أتباع قديس قديم مكتوبة بالأعجمية تقول” هذا الموضع أحُرق فيه القسيس سسليوه”..

والقديس الذي يذكره الشهاب هو San Cecilio ، ويعده الإسبان واحدا من ثلاثة رسل بعثهم القديس بطرس إلى أيبيريا لنشر المسيحية والتبشير بها ، وكان من تلاميذ سيدنا عيسي عليه السلام وقُتل على دينه.

كان هذا الكشف الذي جاء بمحض الصدفة عام 1595 هو بداية معرفة الإسبان المسيحيين بواحد من أهم رجال الدين في تاريخهم ، فاهتموا بمعرفة ما كتب ، وإلى اليوم يحتفلون بذكري القديس سسليوه في الأحد الأول من شهر فبراير.
ولما فتش الرجال في الغار وجدوا بعض الحجارة معقودة فكسروها ووجدوا في قلب كل حجر كتابا وورقة رصاصا وكل ورقة قدر كف اليد. اكتشاف مذهل أشعل حماس الكنيسة.. بيد أن هناك مشكلة أعاقت إتمام الكشف العظيم .. فالأوراق مكتوبة بالعربية كما يقول الشهاب.

في ذلك الوقت كان الشهاب يجيد العربية سرا ، وكان يحضر مع الأندلسيين الذين يقومون بترجمة الرق المعثور عليه في صومعة غرناطة.. وحدث أن أحد القسيسين المقربين من كبير قساوسة غرناطة كان يتعلم العربية على يد شيوخ الأندلسيين.. ويقرأون كتاب “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” للعلامة الجغرافي المسلم الإدريسي .. فكانوا يتوقفون عند بعض الكلمات التي يستعصى عليهم فهم معناها ، فكان الشهاب يقول لهم معناها..

فأثار ذلك إعجاب ودهشة القسيس فقال للشهاب ” أنت تقرأ بالعربية ، فلا تخف ، لأن القسيس الأعظم يطلب عليَ من يعرف شيئا من القراءة العربية لعله يبين شيئا مما ظهر مكتوبا بذلك اللسان “.

وحينما ذهب للقسيس الأعظم كذب وقال أنه تعلم اللغة العربية على يد طبيب من أهل بلنسية ، وكان مباحا لهم الحديث بها في غير أمور الدين.
وبرر الشهاب اضطراره للكذب بأن الشيخ الإمام الغزالى في كتابه “إحياء علوم الدين” قال بأنه إذا مر عليك رجل من أهل الخير ، ثم جاء يطلبه رجل ظالم سائلا عنه ليضره ، فقل له : سار من تلك الناحية بعكس ما مشي فيها ، لينجو المطلوب من ظلم طالبه.

بداية الفرار

رغم المكانة العلمية والأدبية التي وصلها الشهاب الحجري لدي القشتاليين ، إلا أن فكرة الفرار إلى بلاد الإسلام سيطرت عليه وشغلت تفكيره ، وهو ما يدل على مدي إيمان أولئك الموريسكيين بدينهم ، ومخاطرتهم بحياتهم من أجل أن يعبدوا الله في أمان.

ولكي يرتب الشهاب لهروبه عبر البحر إلى المغرب ، كان عليه أولا أن يسافر إلى أشبيلية ، فذهب إلى القسيس وطلب منه أن يسمح له بزيارة بلده ، لأن والده يحب أن يراه ، وطاعة الوالدين واجبة كما يأمرنا الدين.

ودار بينه وبين القسيس حديث يكشف عن الأحوال الاجتماعية للموريسكيين تحت الاحتلال القشتالي والشك والريبة التي ظللت العلاقات بين الطرفين .. فالقشتاليين ينقمون على الموريسكيين أنهم لا يخالطون إلا بعضهم البعض .. والشهاب يري أن النصارى القدماء هم من يعادون الموريسكيين ، ويرفضون المصاهرة إليهم. وربما كانوا على حق، فالأندلسي ، مسلم ، له حياتين ، ودينين ، حياة عامة ، يذهب فيها إلى الكنيسة ، ويتزوج فيها ، ويتلق البركة من القساوسة , وحياة خاصة سرية يحي فيها الإسلام ، بل ويحول زوجته النصرانية إلى الإسلام.

كانت الثورة الكبرى للموريسكيين في 1568 قد كشفت عن كل ما يمكن أن يفرق بين أبناء الشعب الواحد ، ولم تكن الجراح لتلتئم بسرعة.
صار كل موريسكي هو موضع شك من جاره المسيحي الكاثوليكي ، وخائن ومتآمر مع أعداء العرش الإمبراطوري الإسباني من الأتراك والمغاربة.. ومارق ومهرطق في نظر الكنيسة الكاثوليكية ..
وبالمقابل صار كل مسيحي هو خصم.
فشلت كل المحاولات لتنصير الموريسكيين ، واقتلعهم من الهوية الإسلامية ، ليعشوا بهوية واحدة في المجتمع الإسباني ، يكنون الولاء للعرش ، ويعبدون الرب الكاثوليكي.
وفشلت سياسة تسهيل الزواج بين الطرفين ، كانت إسبانيا ترفض وبكل غطرسة أن يعيش على أرضها أبناء لها يتدينون بالإسلام.
ولهذا سعت الكنيسة دوما للفصل بين الشعب الإسباني.. ليصبح شعبين متعادين.. أقلية مسلمة في الخفاء.. وغالبية متعصبة ضدها.
وحرصت السلطات على الفصل الكامل بين الطرفين ( وإن كان هذا لا ينفي وجود تعاطف من بعض الإسبان مع إخوانهم الإسبان المسلمين)
حتى صار الموريسكيين غرباء عن مجتمعهم.. عاشوا على هامشه.. يتكاثرون ويعملون بكد وكفاح.. يقومون بالأعمال القاسية التي لا يقوم بها إخوانهم الإسبان الكاثوليك.
وانطفأت آمالهم بإمكانية التعايش المشترك.

المغامرة الكبرى

كانت البلاد التي تطل على البحر من بلاد الأندلس يحكم النصارى عليها الحراسة المشددة ، والبحث في من يرد عليها من الغرباء ، كل ذلك لكي لا يهرب المسلمين إلى بلاد المغرب.

من أجل ذلك، وعلى مدي سنوات بدأ الشهاب يعد نفسه للهروب الكبير..

لم يكن الشهاب وحده في تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر ، وإنما شاركه فيها صاحب من بلده يصفه بأنه “من أهل الخير والدين ومشي معي مهاجرا إلى الله وبلاد المسلمين”.
توجه الاثنان إلى ميناء سانت مريا saint maria على المحيط الأطلسي ، فلم يشك أهلها وحرسها فيهما ، لكونه يتحدث بلغتهم ويكتب بحروفهم.. وأقلتهما السفينة الإسبانية إلى مدينة “البريجة” على الجانب الأفريقي ، وكانت آنذاك تخضع للاحتلال البرتغالي منذ عام 1502 .. وظلت في قبضتهم حتى حررها السلطان المغربي محمد بن عبد الله عام 1769 ميلاديا

كان على الشهاب أن يدبر حيلة كي يهرب من البريجة ذات التحصينات المهولة , إلى مراكش التي تبعد عنها مسيرة ثلاثة أيام ، فأدعي أنه جاء للمدينة بعدما خلاف بينه وبين أهله في الأندلس ، ثم اشتري حصانا وكأنه ثري وليس هاربا من جريمة ، وبعدها بدأ يدرس أسوار البريجة وكيفية حراستها..

كانت المدينة محاطة بالماء من ناحيتين .. وتحرس فرق من الفرسان ناحية البساتين على الجانب البري للمدينة ، ولا يجوز لنصراني أن يتجاوز تلك القوات ويسير مبتعدا عنها خشية وقوعه في أيدي المسلمين.

لما رأي الشهاب تحصينات المدينة اتفق مع صاحبه على الخروج إلى البساتين ويتخفون في ظلام الليل ، ثم يتسللوا إلى مدينة أزمور التي تبعد عنها 3 فراسخ ، وفي حالة عثور قوات النصارى عليهما يدعي أحدهما أن الجان أصابه بالصرع ، فستلقي على الأرض ، ويخرج شيئا من فمه كالدم.

وفشلت المحاولة الأولي للهرب بعدما ذهب صاحب الشهاب سار إلى بستان قريب ، وهناك أخذ يحدثه صاحب البستان ، وهو لا يستطيع القيام متعجلا حتى لا نكشف أمره ، وطال حبال الحديث حتى أذنت الشمس في المغيب.
فكان لابد من حيلة جديدة للهروب!

ذهب الشهاب إلى القبطان وأخبره بعزمه على الرجوع إلى الأندلس في السفينة التي ستخرج من الميناء ، وعرض عليه أن يشتري له ما يريد من إسبانيا ، فسأله القبطان عن صاحبه ، فقال أنه يحب المكوث هنا.

اشتري الشهاب ما يحتاج إليه من طعام وحوائج للرحلة البحرية ، وتقابل وصاحبه مع التاجر الذي سيقل الشهاب .. وجلسا الصاحبان خارج أسوار المدينة وكأنهما ينتظران التاجر الذي كان خارجها .. وهما يدعوان الله أن يتأخر حتى يسدوا بوابة المدينة مع الغروب.

” ثم قالوا لصاحبي : ادخل عند سد الباب ، قلت لهم : دعوه معي حتى يخرج التاجر ، قالوا : نعم يقعد ، فأظلم الليل إلى أن صلينا العشاء الآخرة ، ثم دعونا الله أن يرشدنا ويسترنا من أعدائنا “.
نجحت الخطة أخيرا ..

قرر الشهاب أن يذهب إلى الشمال .. إلى مدينة أزمور .. كي يتجنب الطريق الذي يسلكه التاجر.. وليضلل الفرسان الذي سيتعقبونه كما هي عادتهم ويدركونه بالخيل.
وبعد ثلاثة أيام صعدا الهاربان على جبل ، يقول الشهاب : “ورأينا المسلمين يحصدون الزرع ... وفرحوا بنا فرحا عظيما وأعطونا الخبز والطعام الذي لم نره من يوم الجمعة قبل الزوال إلى يوم الاثنين عند الصحي”.
تحقق حلم الشهاب الحجري أخيرا .. ووصل إلى بلاد المسلمين .. ووصف ما رآه في الطريق إليهم بأنه “كأهوال يوم القيامة ” ، ووصوله إليهم “كدخول الجنة “.

في بلاط المنصور

اتصل الشهاب الحجري بسلطان المغرب أحمد المنصور ، والذي أعجب به ، وعينه مترجما لديوانه..
وفي عهد السلطان مولاي زيدان قام فيليب الثالث بطرد المسلمين من الأندلس عام 1609 ..
وحدث أن تعرض فوج منهم وهو في طريقه إلى المنفى للسرقة على طاقم البحارة..فأرسلوا إلى مولاي زيدان يشكون إليه ما تعرضوا له.. فأوفد السلطان أحمد بن قاسم الحجري إلى أوروبا .. لتبدأ رحلة جديدة للشهاب في بلاد الغرب..لكن هذه المرة إلى لاهاي وأمستردام وباريس.

وضع الشهاب الحجري كتابه حينما زار مصر بعد عودته من أوروبا بسنوات... وللأسف ما زال الكتاب مفقودا .. ولعله مخفيا في بطون إحدى المكتبات ينتظر من ينفض عنه التراب ويقدم للبشرية كتابا رائعا في أدب الرحلات ونظرة رحالة مسلم إلى الغرب في القرن السابع عشر الميلادي .. وما قدم من ملاحظات هامة ومعلومات قيمة لا تكتفي بالوصف السطحي.

فقدنا كتاب رحلة الأحباب ، لكن الشهاب كان قد اختصره في كتابه “ناصر الدين على القوم الكافرين” وهو الذي نعتمد عليه حاليا .. وحققه وعلقه عليه الدكتور محمد رزوق الأستاذ بجامعة بنمسيك بالدار البيضاء ، ويعاب على الكتاب ضعف التحقيق وعدم الاهتمام بتشكيلة الكلمات بالحركات الإعرابية.



الرابط على موقع محيط 


http://moheet.com/2014/02/16/2010306/%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%B3%D9%83%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A7%D8%B1%D8%A8.html#.UwHzwM4pcdU



الأحد، 16 فبراير 2014

حماقات الخليفة العباسي الناصر لدين الله.. والتحالف مع المغول




إلى جانب الدولة الخوارزمية ، كانت تقوم الدولة العباسية في بغداد. وعلى كرسيها يجلس الناصر لدين الله (577 – 622 هجريا / 1179- 1225 ميلاديا).

دولة بني العباس كانت بمثابة الرجل المريض في العراق.. بيد أن السلاطين كانوا يحافظون عليها .. واعتبروها مجرد واجهة للحم الشرعي.. يحصلون من الخليفة على "تفويض" بحكم البلاد التي "يفتحوها".. فلا يستطيع بعدها أن ينزعهم فيما امتلكوا إنس ولا جان. ألم يبارك عرشهم الخليفة القابع في قصره العالي على ضفاف الفرات!!

صار الخليفة العباسي إذن "واجهة" لجشع الحكام والأمراء والسلاطين ، فيما فقد كل سلطانه ، ولم يبق له من الملك إلا العراق العربي وإقليم خوزستان. وفوقه التمتع بالقصور والضياع والجواري والشراب!!  

وجاء الناصر ، وأراد أن ينهض بالخلافة من كبوتها ، ويوسع رقعتها ، فاستعان بالخوارزميين ليزيح من طريقه  دولة السلاجقة التي بسطت سيطرتها على الخلافة آنذاك.

لكن الخليفة العباسي الطموح اتضح له أنه كان واهما في ظنه ، فالمطامع هي التي تحرك الخوارزميين ، وهم لا يقلون شراهة للسلطان عن نظرائهم السلجوقيين.
وأسفرت العداوة عن وجهها بين السلطان الخوارزمي والخليفة العباسي. وبدأت نذر الحرب تتجمع في الأفق.
وغابت شمس العقل في عهد علاء الدين خوارزم شاة ، والذي طمع في أن يكون له المنزلة الأولي في بغداد ، ويحصل على لقب حاكم البلاد الإسلامية (الخليفة ) ، وتشدو منابر بغداد والعالم الإسلامي باسمه. الخليفة محمد بن حوازرم شاة!!
ولم يكن الناصر لدين الله بأقل حماقة من خوارزم شاة ، ولم يمنعه حياء من مراسلة حكام القراخطائيين الكفار ، والأدهى والأمر تحالفه مع الباطنية الإسماعيلية ، واحتضن عدد من فدائييهم! واغتالوا بالفعل نائب الخوارزميين في العراق العجمي.

عزم السلطان خوارزم شاة على إزاحة الخليفة من على كرسي الخلافة ، ويصعد هو.
ولاستغفال البسطاء من المسلمين رفع لواء الجهاد.
أشاع أن الخلفاء العباسيين قد تقاعدوا عن الجهاد وتكاسلوا عن الغزوات ، وتغافلوا عن حراسة الثغور ، وقمع أرباب البدع والضلالات.
ولأن خوارزم شاة ليس بعربي ، والفقهاء يشترطون في الخليفة أن يكون قرشي ، وكأن ذلك من أركان الإسلام!! لجأ السلطان الخوارزمي إلى حيلة طالما لعب بها السلاطين والأمراء.
اعتنق خوارزم شاة مبادئ الشيعة ، وصرح بأن الغرض من إزالة الخلافة العباسية هو إقامة خلافة علوية. واسترجاع حق أبناء عليَ بن أبي طالب.
   
وتنفيذا لمخططه ، استقدم عدد من فقهاء السلطان ، مما يفتون ليصب المال في جيوبهم ، وحصل على فتوى صريحة مؤداها أن العباسيين اغتصبوا الحلافة من أبناء عليَ أصحاب الحق الشرعي. وآن الأوان لكي يعود ميزان الحق لاستقامته ، واختيار رجل من نسل الإمام الحسين بن علىَ بن أبي طالب ، ومعاقبة الغاصب الناصر لدين الله.

وصدر الأمر السلطاني بعزل الخليفة ، وإسقاط الدعاء له على المنابر ، ومحو أسمه من على العملة المتداولة. واختيار رجل علوي اسمه "علاء الملك" باعتباره خليفة المسلمين الشرعي ، والحاكم لكل بلاد العالم الإسلامي من حدود الصين إلى الأندلس.

بعد أن اكتملت العدة ، من الحصول على فتوى دينية ، وإضفاء صفة الحرب المقدسة على حربه لاستعادة الحق المسلوب من آل عليَ ، سار السلطان خوارزم شاة على رأس جيش جرار قاصدا بغداد في سنة 614 هجريا / 1217 ميلاديا.
وتهاوت أمام الجيش الجرار كل القوي التي اعتمد عليها الخليفة العباسي ، وتأكد أن بغداد واقعة في قبضة خوارزم شاة لا محالة ، وسيحرم هو من سلطانه وخزائنه وجواريه وبساتينه وحدائقه وشرابه والقصور المترفة والريش والأرائك الفخمة والملابس الحرير ، فدبر أمرا في غاية السوء ، وكان وبالا على المسلمين.. وخرق في بنيان بلاد الإسلام خرقا انسل منه الطوفان لسنوات أغرق بلاد المسلمين بالدماء والوابل والحرائق. 

تلفت الناصر الدين لله حوله ، ولم يجد أي حرج في الاستعانة بجنكيز خان قائد المغول الكبير ، باعتباره الرجل الوحيد القادر على إبقاء خلافة العباسيين أبناء العباس بن عبد المطلب عم النبي صلي الله عليه وسلم!.
الخليفة يستعين بجنكيز خان المغولي!!
ليهاجم بلاد الإسلام ويقتل المسلمين في بلاد خوارزم شاة ، ويخرب المدن ، ويدمر المساجد ، ويستبيح الأعراض ، ويسبي النساء ، فلا يجد خوارزم شاة بدا من النكوص والعودة إلى بلاده ورد الخطر المغولي ، وينجو العرش العباسي في بغداد!! ولا عزاء للإسلام وأهله في المصائب التي تنزل بهم وببلادهم.

لقد انزلق حكام الإسلام إلى أسفل سافلين. لم يمنعهم من ذلك خلق أو دين أو خشية على المسلمين الذين يعيشون تحت سلطانهم. 
 اثنان من الحمقى على كرسي السلطانة في وسط آسيا ، خوارزمي يسعي للملك والسلطان ، ويحلم بلقب "خليفة".. والثاني يتحالف مع الشيطان ليحمي عرشه.
وما بين الاثنين يضيع الإسلام والمسلمين!.
    
يقول ابن الأثير في كلمات حزينة ناقدا ما وصل إليه سلاطين وخلفاء الإسلام " وكان سبب ما ينسبه العجم إليه صحيحا من أنه هو الذي أطمع التتر في البلاد ، وراسلهم في ذلك ، فهو الطامة الكبرى التي يصغر عندها كل ذنب".

سارت القوات الخوارزمية في طريقها إلى بغداد لا تصدها مقاومة ، ولا يعرقلها جيش. وتدخلت الطبيعة ، وكان الفصل خريفا ، وهبت عواصف ثلجية شديدة أهلكت الكثير من جند ودواب الجيش الزاحف.. وتخطف الباقون غارات الأتراك والأكراد.
ووجد خوارزم شاة نفسه مضطرا للعودة إلى بلاده في نفر قليل من جنده.

وأشاع العباسيون خرافة تقول أن ما حدث لم يكن إلا غضبا من الله انتقاما من السلطان الذي تجرأ على خليفة المسلمين ، وحاول إزالة بني العباس المؤيدين من فوق سبع سموات ، فهم من نسل النبي وبيت النبوة !!
وبعيدا عن خرافات الرجل العباسي المريض على ضفاف الفرات ، فقد أدي النزاع بين خوارزم شاة والناصر لدين الله إلى استنزاف قوي الدولتين ، بحيث وجد المغول الطريق ميسرا لاكتساحهما بعد ذلك.
والحقيقة أنه منذ تلك الحملة الفاشلة ، خبا نجم خوارزم شاة ، وتوالت الكوارث على رأسه ، الواحدة تلو الأخرى ، فقد بدأ المارد المغولي يتحرك نحو بلاده ، يهدده بالتدمير والقتل والفناء.