الأحد، 16 فبراير 2014

حماقات الخليفة العباسي الناصر لدين الله.. والتحالف مع المغول




إلى جانب الدولة الخوارزمية ، كانت تقوم الدولة العباسية في بغداد. وعلى كرسيها يجلس الناصر لدين الله (577 – 622 هجريا / 1179- 1225 ميلاديا).

دولة بني العباس كانت بمثابة الرجل المريض في العراق.. بيد أن السلاطين كانوا يحافظون عليها .. واعتبروها مجرد واجهة للحم الشرعي.. يحصلون من الخليفة على "تفويض" بحكم البلاد التي "يفتحوها".. فلا يستطيع بعدها أن ينزعهم فيما امتلكوا إنس ولا جان. ألم يبارك عرشهم الخليفة القابع في قصره العالي على ضفاف الفرات!!

صار الخليفة العباسي إذن "واجهة" لجشع الحكام والأمراء والسلاطين ، فيما فقد كل سلطانه ، ولم يبق له من الملك إلا العراق العربي وإقليم خوزستان. وفوقه التمتع بالقصور والضياع والجواري والشراب!!  

وجاء الناصر ، وأراد أن ينهض بالخلافة من كبوتها ، ويوسع رقعتها ، فاستعان بالخوارزميين ليزيح من طريقه  دولة السلاجقة التي بسطت سيطرتها على الخلافة آنذاك.

لكن الخليفة العباسي الطموح اتضح له أنه كان واهما في ظنه ، فالمطامع هي التي تحرك الخوارزميين ، وهم لا يقلون شراهة للسلطان عن نظرائهم السلجوقيين.
وأسفرت العداوة عن وجهها بين السلطان الخوارزمي والخليفة العباسي. وبدأت نذر الحرب تتجمع في الأفق.
وغابت شمس العقل في عهد علاء الدين خوارزم شاة ، والذي طمع في أن يكون له المنزلة الأولي في بغداد ، ويحصل على لقب حاكم البلاد الإسلامية (الخليفة ) ، وتشدو منابر بغداد والعالم الإسلامي باسمه. الخليفة محمد بن حوازرم شاة!!
ولم يكن الناصر لدين الله بأقل حماقة من خوارزم شاة ، ولم يمنعه حياء من مراسلة حكام القراخطائيين الكفار ، والأدهى والأمر تحالفه مع الباطنية الإسماعيلية ، واحتضن عدد من فدائييهم! واغتالوا بالفعل نائب الخوارزميين في العراق العجمي.

عزم السلطان خوارزم شاة على إزاحة الخليفة من على كرسي الخلافة ، ويصعد هو.
ولاستغفال البسطاء من المسلمين رفع لواء الجهاد.
أشاع أن الخلفاء العباسيين قد تقاعدوا عن الجهاد وتكاسلوا عن الغزوات ، وتغافلوا عن حراسة الثغور ، وقمع أرباب البدع والضلالات.
ولأن خوارزم شاة ليس بعربي ، والفقهاء يشترطون في الخليفة أن يكون قرشي ، وكأن ذلك من أركان الإسلام!! لجأ السلطان الخوارزمي إلى حيلة طالما لعب بها السلاطين والأمراء.
اعتنق خوارزم شاة مبادئ الشيعة ، وصرح بأن الغرض من إزالة الخلافة العباسية هو إقامة خلافة علوية. واسترجاع حق أبناء عليَ بن أبي طالب.
   
وتنفيذا لمخططه ، استقدم عدد من فقهاء السلطان ، مما يفتون ليصب المال في جيوبهم ، وحصل على فتوى صريحة مؤداها أن العباسيين اغتصبوا الحلافة من أبناء عليَ أصحاب الحق الشرعي. وآن الأوان لكي يعود ميزان الحق لاستقامته ، واختيار رجل من نسل الإمام الحسين بن علىَ بن أبي طالب ، ومعاقبة الغاصب الناصر لدين الله.

وصدر الأمر السلطاني بعزل الخليفة ، وإسقاط الدعاء له على المنابر ، ومحو أسمه من على العملة المتداولة. واختيار رجل علوي اسمه "علاء الملك" باعتباره خليفة المسلمين الشرعي ، والحاكم لكل بلاد العالم الإسلامي من حدود الصين إلى الأندلس.

بعد أن اكتملت العدة ، من الحصول على فتوى دينية ، وإضفاء صفة الحرب المقدسة على حربه لاستعادة الحق المسلوب من آل عليَ ، سار السلطان خوارزم شاة على رأس جيش جرار قاصدا بغداد في سنة 614 هجريا / 1217 ميلاديا.
وتهاوت أمام الجيش الجرار كل القوي التي اعتمد عليها الخليفة العباسي ، وتأكد أن بغداد واقعة في قبضة خوارزم شاة لا محالة ، وسيحرم هو من سلطانه وخزائنه وجواريه وبساتينه وحدائقه وشرابه والقصور المترفة والريش والأرائك الفخمة والملابس الحرير ، فدبر أمرا في غاية السوء ، وكان وبالا على المسلمين.. وخرق في بنيان بلاد الإسلام خرقا انسل منه الطوفان لسنوات أغرق بلاد المسلمين بالدماء والوابل والحرائق. 

تلفت الناصر الدين لله حوله ، ولم يجد أي حرج في الاستعانة بجنكيز خان قائد المغول الكبير ، باعتباره الرجل الوحيد القادر على إبقاء خلافة العباسيين أبناء العباس بن عبد المطلب عم النبي صلي الله عليه وسلم!.
الخليفة يستعين بجنكيز خان المغولي!!
ليهاجم بلاد الإسلام ويقتل المسلمين في بلاد خوارزم شاة ، ويخرب المدن ، ويدمر المساجد ، ويستبيح الأعراض ، ويسبي النساء ، فلا يجد خوارزم شاة بدا من النكوص والعودة إلى بلاده ورد الخطر المغولي ، وينجو العرش العباسي في بغداد!! ولا عزاء للإسلام وأهله في المصائب التي تنزل بهم وببلادهم.

لقد انزلق حكام الإسلام إلى أسفل سافلين. لم يمنعهم من ذلك خلق أو دين أو خشية على المسلمين الذين يعيشون تحت سلطانهم. 
 اثنان من الحمقى على كرسي السلطانة في وسط آسيا ، خوارزمي يسعي للملك والسلطان ، ويحلم بلقب "خليفة".. والثاني يتحالف مع الشيطان ليحمي عرشه.
وما بين الاثنين يضيع الإسلام والمسلمين!.
    
يقول ابن الأثير في كلمات حزينة ناقدا ما وصل إليه سلاطين وخلفاء الإسلام " وكان سبب ما ينسبه العجم إليه صحيحا من أنه هو الذي أطمع التتر في البلاد ، وراسلهم في ذلك ، فهو الطامة الكبرى التي يصغر عندها كل ذنب".

سارت القوات الخوارزمية في طريقها إلى بغداد لا تصدها مقاومة ، ولا يعرقلها جيش. وتدخلت الطبيعة ، وكان الفصل خريفا ، وهبت عواصف ثلجية شديدة أهلكت الكثير من جند ودواب الجيش الزاحف.. وتخطف الباقون غارات الأتراك والأكراد.
ووجد خوارزم شاة نفسه مضطرا للعودة إلى بلاده في نفر قليل من جنده.

وأشاع العباسيون خرافة تقول أن ما حدث لم يكن إلا غضبا من الله انتقاما من السلطان الذي تجرأ على خليفة المسلمين ، وحاول إزالة بني العباس المؤيدين من فوق سبع سموات ، فهم من نسل النبي وبيت النبوة !!
وبعيدا عن خرافات الرجل العباسي المريض على ضفاف الفرات ، فقد أدي النزاع بين خوارزم شاة والناصر لدين الله إلى استنزاف قوي الدولتين ، بحيث وجد المغول الطريق ميسرا لاكتساحهما بعد ذلك.
والحقيقة أنه منذ تلك الحملة الفاشلة ، خبا نجم خوارزم شاة ، وتوالت الكوارث على رأسه ، الواحدة تلو الأخرى ، فقد بدأ المارد المغولي يتحرك نحو بلاده ، يهدده بالتدمير والقتل والفناء.

ليست هناك تعليقات: