الخميس، 31 ديسمبر 2009

"جدد حياتك".. دعوة للنجاح والحياة السعيدة مع بداية عام جديد



كثيرا ما يحب الإنسان أن يبدأ صفحة جديدة في حياته , ولكن يربط هذه البداية بموعد مع الأقدار المجهولة كتحسن في حالته أو تحول في مكانته , أو يقرنها بموسم معين أو بداية عام مثلا.. وهو في هذا التسويف يشعر بان رافدا من روافد القوة قد يجئ فينشطه بعد خمول.
وهذا وهم. فإن تجدد الحياة ينبع قبل كل شئ من داخل النفس.

والرجل المقبل على الحياة بعزيمة وبصر لا تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت إنما هو الذي يستفيد بها. كالزهرة التي تطمر تحت أكوام السبخ ثم هي تشق طريقها إلي أعلي مستقبلة أشعة الشمس.

لا مكان لتريث. ولا تعلق بناء حياتك على أمنية يلدها الغيب. فأن هذا الإرجاء لن يعود عليك بخير. والحاضر ولو كان باسما أو كالحا هو وحده الدعائم التي يعتمد عليها مستقبلك. يقول صلي الله عليه وسلم "واحذروا التسويف فإن الموت يأتي بغتة. ولا يغترن أحدكم بحلم الله فإن الجنة والنار أقرب إلي أحدكم من شراك نعله".

الكلمات السابقة كانت جزءا من كتاب الشيخ محمد الغزالي "جدد حياتك" الصادر عن نهضة مصر في 206 صفحة من الحجم الكبير, وهو من أفضل الكتب التي تناولت كيف أن يحيا الإنسان حياة هنائه بعيدا عن ضغوط حياة العصر التي تطحن أعصابنا.

و"جدد حياتك" مأخوذ من كتاب "دع القلق وأبدأ الحياة" للكاتب الأمريكي ديل كارنيجي. وهو كتاب نال شهرة كبيرة جعلت مبيعاته تحتل المرتبة الثالثة بعد القرآن الكريم والإنجيل.

وقد قام الشيخ الجليل محمد الغزالي بأخذ مادة الكتاب وردها إلي الأصل الإسلامي. "في هذا الكتاب مقارنة بين تعاليم الإسلام كما وصلت إلينا وبين أصدق وأنظف ما وصلت إليه حضارة الغرب في أدب النفس والسلوك".

ومع بداية عام جديد ندعو القراء إلي قراءة الكلمات التالية لعلها تساعدنا على تجديد حياتنا.

عش في حدود يومك

من أخطاء الإنسان أن ينوء في حاضره بأعباء مستقبله الطويل. حيث ينطلق تفكيره في خط لا نهاية له , وما أسرع ما تعترضه الأوهام والوساوس.
لكن .. لماذا تخامرك الريبة ويخالجك القلق؟ عش في حدود يومك فذاك أصلح لك.
يقول الرسول: "من أصبح آمنا في سربه , معافى في بدنه , عنده قوت يومه , فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"
أنك تملك العالم كله يوم تجمع هذه العناصر في يديك فاحذر أن تستهين بها.
أما استعجال المصائب والضوائق التي لم يحن موعدها فهو خطأ كبير , وقد يكون ذلك أوهام خلقها التشاؤم . والواجب أن يستفتح الإنسان يومه وكأن اليوم عالم مستقل بما يحويه من زمان ومكان وكما يقول الخليل إبراهيم " اللهم هذا خلق جديد فافتحه علي بطاعتك, واختمه لي بمغفرتك ورضوانك".
على أن العيش في حدود اليوم لا يعني تجاهل المستقبل أبدا أو ترك الإعداد , فهناك فارق كبير بين الاهتمام بالمستقبل والاغتمام به , بين التيقظ في استغلال اليوم الحاضر وبين التوجس المحير مما قد يأتي به الغد.

الثبات والأناة

إذا نزلت بك شدة فما تصنع؟
يقول كارنيجي:
سل نفسك: ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لي؟
ثم هيئ نفسك لقبول أسوأ الاحتمالات؟
ثم اشرع في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وهذه خطه يوصي بها العقل والدين معا باتباعها , فالرجل الذي يمسك أعصابه أمام الأزمات هو الذي يظفر في النهاية بجميل العاقبة , ولذلك يقول صلي الله عليه وسلم : "إنما الصبر عند الصدمة الأولي".

وقد يتوقع الإنسان أن تنزل به المصيبة فيستبد به القلق , وكأنما في حدوثها الموت , وربما لا يهنأ بطعام أو شراب. وهذا خطأ بالغ . فالمؤمن الراشد يفترض أن أسوأ ما يقلقه قد وقع بالفعل ثم ينتزع مما تبقي عناصر حياة تكفي أو معاني عزاء.

وعلى هذا فعلينا أن نعد أنفسنا لتقبل الحقيقة , فأن التسليم بما حدث هو الخطوة الأولي في التغلب علي المصائب.

هموم وسموم

الناس في سباق رهيب لجمع حطام الدنيا . وهو سباق يطحن الأعصاب فلا يبقي منها على شئ حتى تشتعل , لذلك ينصحنا نبينا صلي الله عليه وسلم بعدم التكالب على الدنيا وبث السكينة في القلوب, واستئصال جذور الطمع والجري وراء الدنيا " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه, وجمع له شمله, وأتته الدنيا وهي راغمة. ومن كانت همه جعل الله فقره بين عينيه, وفرق عليه شمله, ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له".

ولأن عشق المال يورث القلق البالغ من فواته يقول صلي الله عليه وسلم : إن هذا المال خضر حلو ومن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه باستشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع.

ويتفق كارنيجي مع ما قاله محمد صلي الله عليه وسلم فيعترف بأن القلق هو القاتل الأول في أمريكا , وأن ورجال الإعمال الذين لا يعرفون كيف يكافحون القلق يموتون مبكرا , فالقلق يحكم العمالقة.
والقلق هو أيضا أصل معظم الأمراض. فالطب يقول لنا بأن الأزمات النفسية تحول العصارات الهاضمة إلي سموم فلا تستفيد المعدة من أغني الأطعمة . وقد قرأنا كيف أن بكاء يعقوب علي ابنه يوسف أفقده البصر , ولذلك كان رسول الله يعلمنا أن نستعين بالله في النجاة من الآفات وأمرنا أن نقول كل صباح ومساء : اللهم أني أعوذ بك من الهم والحزن , وأعوذ بك من العجز والكسل , وأعوذ ك من غلبه الدين وقهر الرجال.

ويستدرك الشيخ الغزالي قائلا: قد يقال بأن الرضا المطلق قد يبعث علي البلادة ونجيب بأنه لا تنافي بين الرضا بالواقع والرغبة في تكميل النفس وإمدادها بما تحتاج إليه من الأغذية الدنيوية والعقلية والروحية. فإذا قال رسول الله : ارض بما قسم الله لك تكن أغني الناس . فلا تجعل الرضا ذريعة القصور والقعود. بل ارض بيومك وأمل ما يسرك.

كيف نزيل أسباب القلق

إذا واجهتنا مشكلة فعليك أن نتبع خطوات معنية:
§ استخلص الحقائق
§ حلل الحقائق
§ اتخذ قرارا حاسما ثم اعمل بمقتضى هذا القرار.

والخطوة الأولي تفرض علينا التأمل الهادئ فيما حولنا لتجميع الحقائق الواضحة وبالتالي القيام بسلوك بناءا علي ذلك . وجمع المعلومات ليس بالأمر السهل ذلك أن المحبة والكراهية قد تسيطر علي تفكيرنا. فما العلاج؟
العلاج أن نفصل بين عاطفتنا وتفكيرنا وان نستخلص الحقائق بطريقة مجردة.

أما الخطوة الثانية لجمع المعلومات فهي استشعار السكينة التامة في تلقيها وضبط النفس أمام ما يظهر منها محيرا أو مروعا. وحياة عدد كبير من القادة والأبطال تحفل بالمآزق التي لم ينج منها إلا تقييد الرهبة وإطلاق العقل.
مثلا في الحديبية التفت عوامل الاستفزاز بالنبي وأصحابه لكن كظم النبي ما يحس به من حزن وأمر أصحابه أن يطرحوا الريبة والهم وأن يقبلوا معاهدة تصون الدماء وتنشر الأمان رغم ما فيها من تعنت.

"إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا".

وقد يجد المرء نفسه أمام سلسلة من الفروض المقترحة للخروج من أزمة طارئة وقد يجد أن أحلاها مر , هنا تتكاثر حوله الأفكار القاتمة. أما المؤمن فهو يختار أقرب الفروض إلي السكينة والرشد ثم لا يبالي ما يحدث بعد ذلك " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ".
الخطوة الأخيرة بعد أن يجمع الإنسان الحقائق ويحللها أن ينفذ القرار الذي أنتهي إليه بعزم صادق . وهذا ليس أمر هينا . فهناك أناس تملك من الفطنة ما يكشف لها بواطن الأمور لكنهم محرومون من قوة الإقدام فيقون في مكانهم بين مشاعر الحيرة والارتباك . لذلك إذا اتخذت أمرا فلن يبقي هناك مكانا إلا العمل السريع " وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ".
وعلى هذا فعندما تصل إلي قرار وتشرع في تنفيذه فلا تترد ولا تخلق لنفسك الشكوك والأوهام ولا تعاود النظر إلي الوراء.
فلندرس مواقفنا في الحياة بذكاء, ولنرسم منهاجا للمستقبل على بصيرة ثم لنرم بصدورنا إلي الأمام ولنثق بأن الله يحب منا ذلك لأنه يكره الجبناء ويكفل المتوكلين.

لا تدع التوافه تغلبك على أمرك

قد نواجه كوارث الحياة وأحداثها في شجاعة وصبر ثم ندع توافه الأمور تغلبنا علي أمرنا لذلك يقول رسول الله " إياكم ومحقرات الذنوب , فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه".
وكما أن تجمع الصغائر يهدد حياة الإنسان, فإن تجسيم الصغائر أمر فيه الظلم الشديد.

ومن المؤسف أن بعض الناس يقع على السيئة في سلوك شخص ما فيقيم الدنيا ويقعدها من أجلها ثم يعمي أو يتعامى عما تمتلئ به حياة هذا الشخص من أفعال حسان وشمائل كرام.
والله عز زجل يتجاوز عن التوافه " إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً".


قضاء وقدر

إحساس المؤمن بأن زمام العالم لن يفلت من يد الله يقذف بمقادير كبيرة من الطمأنينة في فؤاده, ذلك أنه مهما اضطرابت الأحداث فكلها بمشيئة الرحمن "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ".

والمؤمن الحق هو من يتوكل على الله ويستريح إلي ما يأتي به المستقبل , ذلك أنه لا معني لتوتر الأعصاب واشتداد القلق بازاء أمور تخرج عن نطاق إرادتنا.
وقد يندم الإنسان على ما فرط فيه , أما أن يطلع عليه القدر بما لا دخل له فيه فهنا لا مكان لندم أو ملام وبالتالي لا مكان فيه لقلق أو ريبة.
وبهذا المنطق نستطيع أن نواجه الحياة . أما إذا فرغت نفوسنا من الله ونظرنا إلي الأحداث كأنها موج يتدفع مدا أو جزرا فإننا نحيا بفؤاد هواء تلعب من الأحداث والظنون.

والسر في ذلك أن الركون إلي القدر - وهو غير القول بالجبر – يورث جراءة على مواجهة اليوم والغد ويجعل المرء يقبل وهو مبتسم خسارة النفس والمال. " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ" .

ويقول صلي الله عليه وسلم " من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له , ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله , ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضي الله له".

لا تبك على فائت

يحوي الماضي أحوال القرون الغابرة , ومصاير الأتقياء والفجار , وصراع الخير والشر, وفي هذه الحدود يجب أن ندرس الماضي لنأخذ منه العظة أما العودة إلي الأمس القريب أو البعيد لنجدد حزنا أو ندور حول مأساة حزت في نفوسنا لنقول : "ليت , ولو" فإن هذا ما يكرهه الإسلام , وليس هذا من شيمة الرجولة ومنطق الإيمان.
فالنظر المطلوب منا إلي الماضي هو النظر للتعرف على سر الخطأ الذي وقعنا فيه لكي نتقيه في المستقبل . فما قيمة أن لطم الخدود وشق الجيوب على حظ فات؟
وما قيمة أن يندم الإنسان على حدث طواه الزمن؟
وطالما أننا لا نستطيع أن نعود للماضي ونغير ما وقع به من أحداث فخير لنا أن نكرس الجهود لما نستأنف به من أيام وليال, ففيها وحدها العوض.

حياتك من صنع أفكارك

سعادة الإنسان أو شقاوته أو قلقه أو سكينته تنبع من نفسه وحدها. أنه هو الذي يعطي الحياة لونها البهيج أو المقبض, كما يتلون السائل بلون الإناء الذي يحويه : "فمن رضى فله الرضا , ومن سخط فله السخط".
عاد النبي أعرابيا مريضا يتلوي من شدة الحمي, فقال له مواسيا "طهور" فقال الأعرابي : بل هي حمى تفور , على شيخ كبير , لتورده القبور. قال النبي : فهي إذن.

يعني أن الأمر يخضع للاعتبار الشخصي فإن شئت جعلتها تطهيرا ورضيت وأن شئت جعلتها هلاكا وسخطت.

ولا يستطيع أحدا أن ينكر ما للروح المعنوية من أثر باهر لدى الأفراد والجماعات. فالجيوش قد تنتصر بقوة العقيدة والصبر أكثر من انتصرها بوفرة السلاح والعتاد.
والرجل الذي يثق بنفسه لا يقف أمامه نقص في بدنه أو عنت في ظروفه بل قد يكون ذلك سببا لشدة نشاطه واستقباله للحياة.

ليست هناك تعليقات: