السبت، 18 يونيو 2016

محمد بن عبد الله (صلي الله عليه وسلم) .. الإنسان الذي علم الإنسانية

كتب - سيد حامد 


أسمح لي يا سيدي بهذه الكلمات، أعبر فيها عن حبي وتقديري..أعلم أنها قد لا توفيك حقك, فجميع ما خطه البشر عنك يتساقط دون أن يبلغ القمة التي تقف عليها , ولكنها سيدي محاولة فاقبلها مني.


من يعرفك, ويقترب منك, يأسره ذلك النور الخارج من بين ثناياك. فأنت نور, وخالقك هو النور, والقرآن الذي تتلقاه نور, نور يهدي الحائرين والباحثين عن الكمال الإنساني.

يأتيك أعرابي وأنت توزع المال, فيمسك ملابسك, ويجذبك منها, فتترك أثرا على صفحة عاتقك , ويقول لك في غلظة: يا محمد..أعطني من هذا المال, فليس المال مالك أو مال أبيك.

وماذا يكون ردك على تلك القسوة؟ يهم صاحبك عمر رضي الله عنه أن يبطش بالأعرابي فتمنعه في هدوء.. وتبتسم في وجه الأعرابي وتجزل له العطاء.

سيدي..كل ما سطره المؤرخون من مجلدات عن أبطال وعظماء العالم لا يحوي موقفا مماثلا لصنيعك مع الأعرابي!!.

كنت نبي آخر الزمان, وخاتم المرسلين, لكنك بين الناس بشر, تمشي في الأسواق, وتعمل بيدك , تأكل وتشرب, وتفرح وتحزن.
كتب السيرة تقول أنك سيدي حينما دخلت المدينة, لم يستطع بعض أهلها أن يميزك عن صاحبك أبي بكر.
وعندما سرت يوما في مقابر المدينة, ووجدت امرأة تنوح على ابنها, قلت لها اصبري, لم تعرفك وقالت: إليك عني..فأنك لم تصب بمصيبتي.
لم تعرفك..
ولم تعرف أن الحزن زارك مرات عديدة..
فاختطف الموت أبنائك الذكور في مكة..القاسم والطيب.
وفي المدينة ذوت زهرة رقية باكرا, ومن بعدها طوي الموت صفحة أم كلثوم, ثم زينب.

وأخيرا رزقك الله بإبراهيم..
أسميته إبراهيم تيمنا باسم جدك الأكبر نبي الله إبراهيم.
هل كنت تطمع أن يخرج من نسله أمه كأمة خليل الرحمن؟!

ويكبر صغيرك, وينمو حبه في قلبك, وتفرح به كما يفرح المسافر في صحراء بواحة بها زرع وماء في صيف قائظ شديد الحرارة !
لما تنتهي من أعمالك وجهدك المضني في بناء أمة الإسلام, تسرع إلى بيت إبراهيم , تداعبه وتهش له..تتصابي له..تخرج له لسانك, فيري حمرته فيبتسم الصغير..
ويكبر وينمو..حتى يبلغ من العمر ستة عشر شهرا..
ثم يختطفه الموت!!.
آه..في هذا السن النضرة.. في السن الذي تتفتح فيه الزهرة وتستجيب لمداعبات النسيم, وغناء العصافير, وشعاع الشمس.
وتبكي.. تبكي على رحيل ابنك.
ولا تكاد تحملك قدمك..فتتساند على أكتاف أثنين من أصحابك..وتنظر للجبل وتناديه: يا جبل..لو أن بك ما بي..لهدك الحزن!.
ويتعجب أصحابك..ويرون دموعك فتقول لهم : أنها رحمة الله وضعها في قلوب عباده.

وتكسف الشمس يوم وفاة إبراهيم. ويتهامس الناس أنها حزنت على فراقه, فتخرج إليهم متحاملا على أحزانك, وتقولها قوية "الشمس والقمر من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد, ولا يحزنان لموت أحد".
.....
وفي بيتك, كنت نعم الزوج..
وهل ينسي التاريخ حبك لأمنا خديجة؟!..

عندما فتح الله عليك مكة , يوم الانتصار الكبير على القرية التي تكبر سادتها عليك , وأذوك ثلاثة عشر عاما , وحاربوك بالسلاح ثمانية آخري 
حينما دخلتها تذكرت منازل الطفولة , والشباب , والأيام التي قضيتها مع زوجك الحنون الطاهرة , شريفة قريش , أمنا خديجة – رضي الله عنها , تشد من أزرك وتساندك , كنت كلما عدت إلى بيتكما حزينا على ما تلاقيه من عنت وصلف وتكبر وإيذاء , فإذا هي تقويك , وتشجعك على تحمل أداء رسالة ربك.. موقنة إن الله سينصرك.

هل كانت تلك الذكريات تترآي أمام ناظريك وكأنها بالأمس حينما طرق الباب؟.. وتنبهت لوقع الطرقات ولصوت القادم , يذكرك الصوت بتلك الأيام الجميلة..فتبتسم فرحا , وكأنك عدت إلى أيامك الأولي مع حبيبتك خديجة.. وتقول مسرورا: اللهم هالة. أخت رفيقة عمرك.

بعد كل تلك السنوات, مازلت يا سيدي تعرف وقع طرقات هالة على الباب!. تفسح لها في مجلسك..وتتجاذب معها أطراف الحديث..هي تذكرك بخديجة..تتحدثان سويا عنها, وعن أيامكم الجميلة.

تغار زوجتك عائشة - والتي أعلنت على الملأ أنها أحب الناس إلى قلبك- وتقول لك بغيرة النساء أن  الله قد أبدلك خيرا منها .. فتغضب لقولها وتقسم " ما أبدلني الله بها خيرا منها , لقد أمنت بي حين كفر الناس , وصدقتني حين كذبني الناس , وأشركتني في مالها حين حرمني الناس , ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها"

وتلك الرقة يا سيدي , وهذا الحب الإنساني الذي يفيض أنهارا , يهدر شجاعة وإقدام في ساحة الوغى والمعارك..
في "أحد", وأنت في الثالثة والخمسين تقاتل وكأنك شابا يافعا.. وفي حنين تجلت فيك كل شجاعة الفارس..هرب جيش الإسلام تحت وقع المفاجأة التي أعدتها هوازن وثقيف, لكنك وقفت كالجبل, تنادي بأعلى صوتك: "أنا النبي لا كذب..أنا بن عبد المطلب".. وحدك مع قليل من فرسان الإسلام أمام جيش ضخم..حتى أن فارس الإسلام على بن أبي طالب يقول أنه كان يحتمي بك إذا استعر القتال. لله درك يا رسول الله أي رجل عظيم أنت!

من يقابلك تبتسم في وجهه, تبدأ من يقابلك بالسلام. ومن يضع يده في يدك لا تنزعها حتى يكون هو البادئ. تعطي كل حواسك لمن يتحدث إليك.
إذا سرت رفضت أن تكون في المقدمة, وأصحابك ورائك.. وعلمتنا أن التبعة, فتنة للمتبوع, وذلة للتابع.
...
سيدي..
المساحة المخصصة تنبئني بأني قد جاوزتها..ولم أزل أحمل الكثير من حبي وتعظيمي , فأنت يا سيدي قدوتي , وبوصلتي في الحياة الدنيا , بك يهتدي الحائرون , وعلى هديك تجوب سفننا بحور الحياة , وعلى دربك نسير , وعلى خطاك نقتفي أثرك. وإذا كانت لي دعوة مستجابة عند ربي لكانت أن تنعم على بشربة من كفك لا أظمأ بعدها أبدا , وأسعد بصحبتك.. فهل أحشر معك يا سيدي وأنت من قلت "المرء يحشر مع من أحب"؟!  


وعذرا سيدي أني لم أوافيك بعض حقك. 

ليست هناك تعليقات: