الأربعاء، 26 مارس 2014

صريع الكبر



حينما أتابع سيرة عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي يتملكني العجب والدهشة في آن واحد ! , لكني لا أشفق عليه , فقد استحق ما نال , وإنما أشفق على نفسي أن ألق مصيره المشئوم !

دعني أنبئك بما أريد..

الرجل لم يكن كما تصوره أفلامنا قبيح الوجه , شديد اسوداده , ترتسم على سيماه علامات الغضب , يجلس في نوادي الفجور , ترقص أمامه الجواري الحسان , بينما هو يتجرع كئوس  الخمر!!

تلك الصورة التليفزيونية تجانب الحقيقة في كثير , فالرجل ؛ وكما تخبرنا كتب السيرة , كان ذكيا , شديد الذكاء , وقد استغل فطنته في التجارة , حتى ربح مالا جما , وفوق ذلك امتلك حجة قوية , وبيان في الرأي , وبماله وعقله تصدر مجالس قريش , وكان فيها المقدم !.

وجاء يوما على الإسلام , وسمع المسلمون النبي × يدعو ربه بأن يعز دينه بأحد العمرين : عمرو بن هشام أو عمر بن الخطاب.
..
واختارت السماء ابن الخطاب , ولم يكن في اختيارها ظلما لابن هشام !!.

فقد عرف الحق , وأيقن أن محمد رسول الله , لكنه أبي الإيمان , لشيء واحد في صدره , ولم يخش أن يكشف عنه لبعض خاصته , فقال في كلمات سريعة غاضبة , تنبئ عما يعتمل في داخله : "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف : أطعموا فأطعمنا , وحملوا فحملنا , وأعطوا فأعطينا , حتى إذا تحازينا على الركب وكنا كفرسي رهان , قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء .. فمتى ندرك هذه؟!"

آه..أنه الكبر..
ذلك السد الهائل الذي يعوق انسياب الإيمان إلى أرض الكفر, ويكبل النفس عن الانقياد للحق, وأتباع رايته!

لقد رأي عمرو في الإسلام اعترافا بتفوق بني عبد مناف وبني هاشم على وجه الخصوص , وفي ذلك انتقاص لقبيلته هو بني مخزوم. فإذا اعترف هو بمحمد كنبي , لكان لبني هاشم السيادة على العرب دون سائر قبائل قريش أبد الدهر!.

وهو أيضا قد حسد محمد على أنه نال الرسالة دونه !
ولن يعدم عمرو أن يجد بين أهالي مكة من يشاركه حقده وحسده , وخاصة عمه الوليد بن المغيرة الذي كان يزعم أنه هو أحق الناس بالنبوة والقرآن ويقول : أينزل على محمد وأتُرك وأنا كبير قريش وسيدها ؟ وفي ذلك يقول القرآن " وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ".

واستمر عمرو في كبريائه, منساقا له, رافضا صوت عقله , فاستحق سيد بني مخزوم ذلك اللقب الذي سيلتصق به إلى يوم القيامة: أبو جهل !!.

هو حقا أبو الجهل.. فقد عرف وأبصر وعاين الحق..لكنه أتبع غروره وكبريائه فأورده النار , وتسخر الملائكة منه يوم القيامة , وتسقيه من شجرة الزقوم وهي تقول له "ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ".

فالكبر , إذا تسللت إلى نفس , حاد عن الحق , يمنعه غرور من الانقياد للصواب !

والتاريخ مليء بقصص أناس خيل لهم الغرور أنهم سادة الدنيا , وأنهم خُلقوا ليقودوا البشر , لا أن ينقادوا لأحد , فإذا هم يسقطون من سماواتهم إلى أسفل السافلين , ويحتقرهم الناس , ويسجلهم التاريخ في سجل الأغبياء المتغابين .

ليست هناك تعليقات: