السبت، 2 نوفمبر 2013

اغرق احزانك في البحر





خلال حكم نابليون الثالث أمرت الحكومة الفرنسية بنفي فيكتور هوجو , كاتب فرنسا وأديبها وفيلسوفها الشهير , بتهمة الانشقاق على الحكم والدعوة إلى الحرية التي خنقوها.





قضي هوجو في منفاه 15 عاما.. من 1855 حتى عام 1870 .. حتى أبيض شعره ؛ ووهن عظمه , واشتد به الحنين إلى بلده.. فمضي يقتل الأيام في القراءة .. وسجل فيها أعظم إبداعاته.

شاهدوه يوما على شاطئ الجزيرة التي نفوه إليها يجلس وحيدا.. وقد أمسك في يديه مجموعة من الأحجار الصغيرة.. وقد راح يلقي بها الواحدة تلو الأخرى في مياه البحر المتلاطمة على حواف الصخرة التي يجلس عليها..
فاقترب منه غلام وسأله:
يا سيدي .. لماذا تأتي إلى هذا المكان بالتحديد , ولماذا تلقي بهذه الأحجار الصغيرة في الماء؟

ونظر الكاتب إلى محدثه الصغير ؛ وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة.. وقال "أحجار.. أي أحجار تلك التي تتحدث عنها يا بني.. أنها ليست أحجار كما تبدو في ظاهرها.. أنها آلامي ومتاعبي.. وأنا أحاول أن أغرقها في مياه البحر , لكي أخلص نفسي مما فيه".

كثيرا ما تواجهنا في حياتنا مشكلات وصعاب تسيطر على تفكيرنا , وتحتل كل الأركان الجميلة في قلوبنا , فتحيلها إلى ثكنات عسكرية , وأرض حرب ترتفع فيها درجة الطوارئ , لتفارقنا الراحة والسكينة إلى حين.

ساعتها .. تتوقف عجلة الحياة عن الدوران , ونرهن سعادتنا بالتخلص من تلك المشكلة , لذلك نطيل النظر فيها , ونلقب أبصارنا في الحلول التي يمكن أن نسلك طريقها , ويطول تفكيرنا , وتأخذنا الوساوس والظنون إلى كل مذهب , ولا يهنأ لنا طعام , وتخاصم الابتسامة شفاهنا.. وتطاردنا الوساوس..


الواقع أن كافة المشكلات التي تواجهنا يمكننا التعامل معها بمنطق بسيط للغاية.. نعم بمنطق بسيط .. لكن قليل من يفوز به. فمهما عظمت مشاكلنا يجب أن نقابلها بقلب مطمئن , وإيمان راسخ بأن هناك أله في السماء يدبر ويدير شئون الكون .

والتسليم لله يتطلب منا أولا أن نتدبر قليلا في المشكلة , ونتخذ فيها الحلول الممكنة , وبعدها نترك الأمر كله لله , ولا نطيل  النظر في المشكلة , وهذا هو لب القضية , لا نطيل النظر فيها .. وفي هذا المعني كتب أستاذنا عبد الوهاب مطاوع كلمة في منتهي الروعة "ليست المشاكل والصعاب التي تصنع شقاء الإنسان , وإنما مدي إحساسه بها".

وهذا ما فعله "فكتور هوجو".. فلم يحمل معه إحزانه في كل مكان حل به , وإنما حرص على التخلص منها وألقاها في البحر , حتى تستمر الحياة , ويقدم للبشرية ما يفيدها .

فإذا ما قابلت يا صديقي مشكلة فاحرص على أن تقابلها بثبات الجبال , وأعلم أن "الصبر عند الصدمة الأولي" كما قال رسولنا صلي الله عليه وسلم . وأعمل بنصيحة "ديل كارنيجي" الشهيرة التي قدمها في كتابه دع القلق وابدأ الحياة عندما قال: 
1-    سل نفسك : ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لي ؟
2-    هيئ نفسك لقبول أسوأ الاحتمالات.
3-    ثم اشرع في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.


ولا تشقي نفسك بكثرة التفكير. ولا تدع نفسك نهبا للقلق , ولا ترمي بنفسك في مكان سحيق. وتذكر أن أحد جنرالات الحرب وجد نفسه فجأة وسط ثلوج القطب الجنوبي.. فحرص على أن يقسم ساعات نهاره .. فيقضي ساعتين في إصلاح مسكنه الثلجي .. ساعتين لإصلاح زحافته , وساعتين لإزالة الثلوج المتراكمة. وهكذا دون أن يدع لنفسه فرصة للوقوع في شراك القلق.


رسولنا العظيم محمد صلي الله عليه وسلم نصح يوما ابنته فاطمة رضي الله عنها فقال: "ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث, أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".

أي لتدع أمرها كله إلى الله , فالإنسان مخلوق ضعيف , والأسلم له أن يدع ربه يدبر له , ويصلح من شأنه , ولا يدع نفسه نهبا للوساوس والظنون , فليعقلها وليتوكل على الله. 


شاعرنا الكبير إيليا أبو ماضي له قصيدة شهيرة في التفاؤل وفلسفة الحياة , يقول في بعض أبياتها:

وإذا ما أظل رأسك هم .. قصر البحث فيه كي لا يطولا
قل لقوم يستنزفون المآقي .. هل شفيتم مع البكاء غليلا؟!
ما أتينا إلى الحياة لنشقي... فأريحوا أهل العقول العقولا
كل من يجمع الهموم عليه .. أخذته الهموم أخذا وبيلا.

ثم يوجه نصيحته لنا ويقول:
كن غديرا يسير في الأرض رقراقا... فيسقي من جانبيه الحقولا
لا وعاء يقيّد الماء حتى.. تستحل المياه فيه وحولا

فاختر يا صديقي بين أن تراكم الهموم على كتفيك , وتصير كالوعاء الذي يقيد الماء حتى يأسن , أو تخلص من همومك وألقي بها في البحر , لتكن غديرا يسير في الأرض رقراقا , تستحم فيه النجوم والطيور.



ليست هناك تعليقات: