الخميس، 21 نوفمبر 2013

اعرف نفسك أيها الإنسان




ثمة مشكلة يعاني منها أغلب البشر..
لا يعرفون من هم؟ وما هي الرسالة التي يحملونها؟

بيننا وبين الله صلة قل من يدركها..ففي أجسادنا نحمل جزء منه.. أرواحنا من روحه..
وما أعظمها من صلة!

لكن الجسد الإنساني ليس نقيا من الشوائب كالذهب.. صافيا كماء المطر..

فالإنسان مركب من طينة غليظة سواها الله في أبدع صورة.. ثم نفخ فيها من روحه فإذا هي تدب على الأرض وتتكلم وتعقل وتفكر وتبدع..
والطين يشد الإنسان إلى أسفل.. بشهوات الطعام والجنس وحب المال والبنين وقناطير الذهب.. والروح تجذب الإنسان إلى أعلى..حيث مصدره الأعلى.
 ومنذ بدأت البشرية تسطر أول سطورها في كتاب الحياة والصراع لم ينتهي بين الطين والروح..ما بين الشهوة والسمو.. الشر والخير..

فإذا ما خلا الطين من إشراق هذه النفخة الربانية استحال طينة معتمة..طينة من لحم ودم..لكنها لا تمت للإنسانية.
يقول المبدع سيد قطب في كتابه "ظلال القرآن" اللحم والدم وحدهما من جنس طينة الأرض ومادتها لولا تلك الإشراقة التي تنتفض فيه من روح اللّه ، يرقرقها الإيمان ويجلوها ، ويطلقها تشف في هذا الكيان المعتم ، ويشف بها هذا الكيان المعتم".

وكل إنسان عليه الاختيار بملء إراداته..
ما بين الأرض والسماء..
فإذا اختار طريق الانحراف والحياة اللذيذة التي لا تؤرقها مسائل الحلال والحرام .. فليهنأ بما اختار.. وليدفع فاتورة اختياره غير شاكا في الدنيا من تنكر السماء له.. وفي الآخرة من عذاب الجحيم.

أما من اختار السماء..فليدفع ثمن فاتورته من الاختبارات التي سيتعرض لها, وليتحمل راضيا تبعات الرسالة التي يحملها فوق ظهره..فالجنة لا تفتح أبوابها إلا للمجتهدين , المجاهدين للظلمات وشهوات النفس.

وثمة مفارقة كبيرة أيضا بين حياة الاثنين..
فالذي يلهث وراء الدنيا ليستحوذ على أحسن طيباتها ويشبع جسده النهم يصاب بضيق الرؤية..فلا يبصر من الحياة إلا الطرق التي تؤدي إلى مزيد من المال والثروة..
يعيش كالأنعام..يأكل ويشرب وينام..
وعفوا أيها القارئ العزيز على استخدام هذا اللفظ..
وعذري في إيراده أن القرآن استخدمه من قبل..ومنه استعارته.. فقد وبخ ربي – جل شأنه – صنف من البشر وصفهم بأنهم " لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ ".

وماذا تنتظر من أناس تعطلت فيهم حواس التفقه في أمور الدنيا والتبصر في شئونها والاستماع إلى موعظتها.
أن الأنعام أفضل منهم..ألا يكفيهم أنها غير مكلفة بحمل الرسالة..رسالة الله لتعمير أرضه..
وفوق ذلك..هي تسبح بحمده..وتعترف به خالقا.
أما من هبط بنفسه إلى الطين , فلا يتطلع إلى أعلي من الأرض التي يعيش فيها.. وهذا الهابط لا تنتظر منه شيئا في حمل تكاليف رسالة الإنسان المؤمن.

ألا ما أسوأها من عيشة.. ومرتبة يرتضيها البعض لأنفسهم!

أما المؤمن..
من يسمو إلى السماء..يمد إليها روحه لتتصل بالنبع الأول..فأنه يتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه ، إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيز الصغير المحدد الذي تدركه الحواس.

قلبه بالعرش دوما موصول, روحه في الكون تسبح..يشعر بأنه جزء من منظومة عظيمة أبدعها ربه..فهو يمت بصلة للنجوم والشموس, يتأمل القمر في وداعته, والنجوم في تألقها, ودروب الكون التي لا يحدها عقل..فلا يملك لسانه أن يلهج بالتسبيح لربه " رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ "..

يـتأمل طويلا كونه إنسان يعيش على الأرض مع إخوان له يبلغون 6 مليارات من البشر..كل منهم له عينان وآذنان..ومع الضجيج الذي يلف الأرض يسمع ربه همسه ونجواه..
والجميع يتشارك كوكب صغير ضمن مجموعة من الكواكب السيارة التي تدور وتسبح في الفضاء حول نجم متوسط الحجم هو الشمس تبعده مسافة 150 مليون كيلو متر عن الأرض..
ولكن كيف تسبح النجوم الكواكب؟ وهل في الفضاء فراغ؟ وهل يمكن أن تسقط الكواكب؟ وأين تسقط؟ فهل هناك قاع؟
أسئلة تستثير كل ذو لب..

أما الشمس فهي مفاعل نووي ضخم يحترق من أجل إنارة كوكبنا الأزرق , وهي مجرد نجم من عائلة كبيرة لا تحصي في مجرة اسمها درب اللبانة , وهي أيضا واحدة من آلاف أو ملايين المجرات.. أما عن الكون..فهو يتسع إلى الخارج ويتمدد..لكن إلى أين..العلماء لا يعرفون..فالكلمات والعقول تقف حائرة أمام معجزة الكون.

ولا يمكن لأرض محدودة أن تضيق على مؤمن..ولا لفقر أن ينال من نفسه..فهو يملك الأرض وغاباتها وأنهارها وبحورها..
وكيف تضيق أرضا بقلب موصول بالسماء؟!

وهو في حياته..يسعي جاهدا ليسير على خطى ربه..يستمد من روحه الربانية فيتعلم الجود والكرم والعطاء.. يكدح في الأرض ليعمرها لتكون أجمل..ينافح الظلم لينشر عدل السماء.. يدافع عن الفقراء والمستضعفين في الأرض ليجبر كسرهم.

فأعلم من أنت أيها الإنسان..
وارتق بنفسك , فأنت نهر متفرع من نهر كبير , فصارع أمواج الحياة وفتنتها لكي تصل بسفينة سالمة إلى مرفأ الآخرة.. وساعتها يحق لك أن تنال قسطا من الراحة الأبدية والنعيم المقيم.

ليست هناك تعليقات: