الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

أضف إلى رصيدك مزيداً من المحبين





كان جيش الإسلام عائداً من حنين.. متعباً مرهقاً, بعدما كادت الدائرة تدور على المسلمين, ويتلقوا هزيمة كبرى تُضيع النصر الذي حققوه منذ أيام قليلة في مكة المكرمة.

ها هو النبي على دابته يسير حامداً ربه على نصره..
الزحام شديد.. فالجيش تعداده اثنا عشر ألف مقاتل.. 

ويقترب رجل يرتدي نعلاً غليظاً بناقته من النبي صلي الله عليه وسلم، ويقع حرف نعله على ساق النبي فتؤلمه؛ فيقرع الرجل بالسوط, قائلاً: "أوجعتني، فتأخر عني".

يبتعد الرجل حزيناً؛ فربما يكون هذا اللقاء العابر هو الأول الذي يجمعه مع محمد ×؛ فأي حظٍ هذا الذي يجعلني أوذي نبي الله في ساقه بخشونة نعلي!

وفي الصباح حدث شيء عجيب..

أخذ الحبيب محمد يلتمس الرجل في الجيش الكبير؛ هو ليس من مشاهير المسلمين؛ حتى كتب السيرة لا تذكر اسمه.. ويشتد الحبيب في طلبه حتى يعثر عليه أخيرا. ويظن الرجل أن النبي يريد أن يعاقبه على ما كان منه في الأمس!.

يجيء، وقلبه يرتجف بين أضلعه ترقباً لما سيكون..

لكنه يجد الخير كل الخير..

لقد بات الحبيب صلي الله عليه وسلم ليلته متشوقاً إلى طلوع شمس الصباح ليعتذر، نعم ليعتذر للرجل عما كان من قرعه بالسوط؛ برغم أن الموقف كان عابراً، وربما يمرّ بأي منا دون أن نعيره اهتماماً..

ويقول الحبيب محمد للرجل: " إنك أصبت رجلي بالأمس فأوجعتني، فقرعت قدمك بالسوط، فدعوتك لأعوّضك منها". 

ويعطيه ثمانين نعجة تعويضاً عن هذه الضربة البسيطة.

أيّ عظمة تلك التي يعلّمنا إياها رسول الإسلام ؟!

قلّبوا ما شئتم من صفحات التاريخ، ونقّبوا في صحائف العظماء؛ فلن تقع أعينكم على موقف كهذا أبداً.

هو لقاء عابر, يمرّ بي وبك, لا يسرق من عمرنا إلا لحظات معدودات, ثم يأخذنا موكب الحياة الهادر, ويجرفنا تياره الزاخر بالأحداث والمشاغل التي لا تترك لنا فرصة لالتقاط الأنفاس, واسترجاع ما مرّ بنا, ويختفي من ذاكرتنا من مروا في سماء يومنا كالشهب.

ومخطئ من يُهمل تلك اللحظات القصيرة واللقاءات العابرة.

فإنها يا أخي الحبيب قد تُكسبك صديقاً ينافح عنك أبد الدهر.. يحتفظ لك بأحلى مكان في زوايا قلبه.. أو تُكسبك مخالفاً يكافح من أجل نقدك والتقليل من شأنك، ولن تختفي أبداً من ذاكراته تلك اللحظات التي أسأت له فيها.

واعلم أن قليلاً من الاهتمام بالآخرين, سيجازيك الله عليه فوق ما تشتهي وتتمني؛ فما تزرعه في صباحك ستجني خيره في مسائك

كاتبنا الكبير مصطفى أمين يتمّ القبض عليه منتصف 1965 بتهمة التخابر مع أمريكا.. وفي السجن يبدأ رحلة العذاب على أيدي ذئاب متوحشة ترتدي ثياب البشر، حرموه الطعام والشراب, وهو المريض بالسكر؛ فيلجأ إلى ماء الاستنجاء, وعندما يعرفوا بذلك يفرغون إناءه، فيشرب من ماء البول.. وفي اليوم الثالث لم يجد بولاً ليشربه

يقول في كتابه "سنة أولي سجن": " كنت أسير في زنزانتي كالمجنون.. الحر في يوليو مؤلم.. لساني جفّ.. حلقي جف.. أحياناً أمدّ لساني وألحس الأرض لعل الحارس نسي نقطة ماء وهو يغسل البلاط". 

وبينما هو يدور ويترنح؛ إذ بباب الزنزانة يُفتح في هدوء.. وتمتد يد حارس أسمر في الظلام تحمل كوباً من الماء المثلّج، ويشرب أحلى ماء في حياته.

ويخبره الحارس: إنني أعرفك وأنت لا تعرفني.. منذ تسع سنوات أرسل فلاح خطاباً لك يقول: إن أمنية حياته أن يشتري بقرة، وأنفق من عمره 7 سنوات يقتصد في قوت أولاده ليشتريها؛ لكن بعدها بستة شهور ماتت.

ويهتم مصطفى أمين بخطاب الفلاح البسيط, وفي ليلة القدر يدقّ باب البيت المتواضع، وتدخل محررة من "أخبار اليوم" تجر وراءها بقرة.. 

هذا الفلاح الذي أرسلتم له البقرة منذ تسع سنوات هو أبي.

فتنبّه يا صاحبي لعِظَم اللقاءات العابرة.. وتذكّر قوله صلي الله عليه وسلم: "إن الله يسأل عن صُحبة ساعة".. 

فأي إجلال للصحبة هذا؟ 

إضاءة جانبية:   أهم مكوّن في وصفة النجاح هو معرفة كيفية التعامل مع الآخرين.. توماس روزفلت 

.من كتابي //
الحياة رحلة

 

ليست هناك تعليقات: