الاثنين، 14 أكتوبر 2013

صلاح الدين.. ويوسف زيدان





صلاح الدين الأيوبى، كان قائداً (خائناً ) للسلطان نور الدين الذى أرسله على رأس الجيش من دمشق إلى مصر، لتأمين حدودها ضد هجمات الصليبيين، فترك الأمر ومهَّد لنفسه السلطة... حتى إن السلطان نور الدين جهَّز جيشاً لمحاربة صلاح الدين (المنشق) ولكنه مات ليلة خروج هذا الجيش.
بعد مناورات كثيرة، ومداورات، اضطر صلاح الدين الأيوبى مدفوعا بالغضب العربي العارم إلى محاولة انتزاع القدس وإخراج المحتلين منها..لكنه لم يفلح في انتزاعها من قبضة الصليبين إلا صلحا إلا صُلحاً.. ثم أعادها الأيوبيون ثانيةً إلى الصليبيين، كهدية، سنة ٦٢٨ هجرية!

هكذا انتقد الروائي يوسف زيدان صلاح الدين الأيوبي، وفي أكثر من موضع، في جريدة المصري اليوم، ضمن سلسلة المقالات "أوهام المصريين" ، ثم عاد وكرر ما نشره في كتاب "متاهات الوهم" وكتابه "كلمات".

وما أكتبه الآن، ليس دفاعا عن صلاح، فطالما نال محرر بيت المقدس هجوما، حتى من المؤرخين المعاصرين له، كابن الأثير، بيد أن زيدان ألقي بمجموعة من التهم في وجه قراءه عن صلاح الدين، واخترع أشياء جديدة لم نسمع عنها في كتب التاريخ!!
وتباينت الردود على الدكتور زيدان، ما بين أنه يشوه صورة أبطالنا.. أو أن هذا الوقت غير مناسب لما يكتب.. أو لا يجوز الحديث بهذا الشكل "للعامة"!!
وكان الأفضل والأسلم أن يكون الرد عليه: من أين أتيت بما تقول؟!

لنبدأ بالقول بأن اتهام صلاح الدين بخيانة قائده نور الدين محمود لم تكن الأولي هنا، لكن الدكتور زيدان يبرر خيانة صلاح الدين بأن السلطان نور الدين محمود بن زنكي أرسله "على رأس الجيش من دمشق إلى مصر، لتأمين حدودها ضد هجمات الصليبيين، فترك الأمر ومهَّد لنفسه السلطة" – هكذا كتب في المصري اليوم ومتاهات الوهم ، أو أن نور الدين أرسله لتحصين سواحل مصر ضد الصليبين ، فترك تحصين دمياط ، و"أخذ صلاح الدين في تثبيت أقاربه على كراسي الحكم ، وبالغ في منحهم الإقطاعيات. وقد خنق السلطان السني نور الدين لتقاعسه عن تحصين سواحل مصر ، فجهز جيشا لحرب صلاح الدين " هكذا قال في كتاب "كلمات"!!.

من أي المراجع التاريخية أتي زيدان بهذا الكلام؟!
السلطان نور الدين محمود أرسل ثلاث حملات إلى مصر، بقيادة أسد الدين شيركوه، لحماية مصر من الوقوع في قبضة الفرنج، الذين سعوا في ذات الوقت لاحتلالها. وكان صلاح الدين يوسف بن أيوب مع عمه شيركوه.
واستطاع الاثنان بعد جهود مضنية، وثلاث حملات تخليص مصر من الخطر الصليبي (وضع الفرنج جنود لهم على أبواب القاهرة بالاتفاق مع الوزير الفاطمي). وأصبح شيركوه وزيرا للعاضد أخر خلفاء الفاطميين. ثم توفي ، فخلفه ابن أخيه صلاح الدين.
إذن لم يرسله لتأمين حدود مصر!! أو تحصين دمياط !! وإنما ذهب صلاح الدين ضمن ثلاث حملات لاستنقاذ مصر من الخطر الصليبي. وضمها إلى دولة نور الدين في الشام وتكوين جبهة قوية في البلدين تضع الإمارات الصليبية بين شقي الرحى.

يكتب زيدان " والعجيب، الدال على شخصية صلاح الدين، أنه كان فى الوقت ذاته قائداً من قوَّاد السلطان نور الدين (السُّنىِّ) ووزيراً للحاكم الفاطمى لمصر (الشيعى) مع أن الدولتين كانت بينهما خلافات لا تقلُّ عمقاً عما كان بين المسلمين أصحاب الأرض (أصحاب البلد) والمسيحيين الغزاة الذين اشتهروا باسم الصليبيين".

ولا نعلم ما المقصود بتلك الجملة!! وما الذي يعيب شخصية صلاح الدين.. نعم كان وضعا غريبا، لكن صلاح الدين لم يضع نفسه فيه، فقد سبقه كما قلنا عمه شيركوه في منصب الوزارة. وكان المتابع للأحداث يعلم أن الخلافة الفاطمية تعاني سكرات الموت، وأن نور الدين محمود يريد من ضم مصر قطع الخطبة للخليفة الفاطمي وإعادة الدعاء للخليفة العباسي، لتوحيد العالم الإسلامي من جديد. وهو ما تم على يد صلاح الدين الأيوبي. وانتهت الدولة الفاطمية بدون ضجيج. المحرم 567 هجريا / 1171 ميلاديا.

وبالنسبة لدمياط وتحصينها التي يقول زيدان أن صلاح الدين أهمل تحصينها، فتذكر المراجع التاريخية أن الصليبين هاجموا ميناء دمياط عام 565 هجريا / أكتوبر 1169 ، وجاء الهجوم أثر تعاون بين الملك عموري – حاكم بيت المقدس والإمبراطور البيزنطي عمانويل كومنين، في محاولة للاستيلاء على مصر، قبل أن يوطد نور الدين أقدامه فيها. واستطاع صلاح الدين أن يثبت براعته الحربية وحنكته السياسية.
وأسرع صلاح الدين وأخبر سيده نور الدين محمود يخبره بما يدبره الصليبين ، وأرسل المال والسلاح والعتاد لجنوده في المدينة الساحلية التي صمدت للحصار الصليبي مدة 51 يوما، قام فيها نور الدين محمود بهجمات على أملاك الصليبين في الشام أجبرتهم على فك الحصار.

فلا رابط البتة بين خيانة صلاح الدين وتحصين دمياط التي تركها!! وكان الأمر على العكس، تعاون بين السلطان وقائده في مصر، وبعدها استرد غزة، وهاجم الرملة وعسقلان، والأهم استعادة ميناء أيلة على البحر الأحمر.

"وبعد أن شعر صلاح الدين بقوته وثبات مركزه في مصر رفض أن يتعامل نور الدين مع مصر باعتبارها مجرد مورد للأموال التي يمول بها حروبه ضد الفرنج في بلاد الشام".. هكذا كتب المؤرخ الدكتور قاسم في كتابه "في تاريخ الأيوبيين والمماليك"، شارحا أسباب "الخلاف" ونظرة كلا الرجلين إلى الأوضاع السياسية في المنطقة، فنور الدين رأي مصر ممول لخططه العسكرية والسياسية بمواردها الاقتصادية، وأن تكون ظهيرا بشريا للقوي السياسية في بلاد الشام والعراق. ولكن صلاح الدين أدرك أن مصر هي مفتاح المنطقة العربية، ولذلك فيجب أن تقود الصراع لا أن تبقي قوة احتياط. 
وهناك من المؤرخين من يرون صلاح الدين مخطئا، برغبته في الاستقلال عن مصر، كالمؤرخ ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ"، وأبو شامة صاحب كتاب الروضتين.
على أية حال، اعتزم نور الدين محمود الخروج من دمشق والذهاب إلى مصر، ربما لخلع صلاح الدين كما يري البعض، أو لإحكام قبضته على مصر، بيد أن القدر لم يستمهله، ومات بعد عيد الفطر بقليل 11 شوال 569 / 15 مايو 1174م.
وبعد اتهام صلاح الدين بالخيانة يأتي زيدان بنص غريب ومريب فيقول" بعد مناورات كثيرة، ومداورات، اضطر صلاح الدين الأيوبى مدفوعا بالغضب العربي العارم إلى محاولة انتزاع القدس وإخراج المحتلين منها..لكنه لم يفلح في انتزاعها من قبضة الصليبين إلا صلحا إلا صُلحاً"
هناك كلمات لابد أن يتحفظ أمامها كل دارس للتاريخ الإسلامي، والحروب الصليبية، فماذا تعني كلمة "مضطرا"، هل كان صلاح الدين يحارب الصليبين بدون رغبة للجهاد أو بالعامية بدون نفس؟! وهنا مرة أخري: نطالب زيدان أن يفصح عن ماهية الغضب العربي العارم الذي دفع صلاح الدين لمحاولة انتزاع القدس!! لقد كانت المنطقة العربية تذخر بالعديد من الأمراء.. وكان الشام وبلاد ما بين النهرين تملأ سماءها أسماء أمراء يفرضون سيطرتهم على مدن كبرت أو صغرت. ولم يكونوا في حاجة لخوض الحرب من الصليبين.
 
وما العيب في دخول بيت المقدس صلحا، لقد وجه صلاح الدين إلى سكانها إنذارا لتسليم المدنية مقابل تأمينهم ، لكنهم رفضوا ، فأقسم أن يستولي عليها بحد السيف ، وبدأ هجومه يوم 20 سبتمبر 1187 ، وسقط القتلى من الجانبين، ثم أخيرا توصل الطرفان إلى اتفاق، ودخل صلاح الدين المدينة في الثاني من أكتوبر 1187 / 27 رجب 583 هجريا ، في ذكري الإسراء والمعراج.

وشهرة صلاح الدين كفارس من فرسان المسلمين لم تبدأ في القرن العشرين.
أتدرك - يا صاحبي - لما نال القائد صلاح الدين الأيوبي كل تلك الشهرة في العالمين العربي والغربي؟ قد تقول لأنه انتصر في موقعة حطين , واستردّ بيت المقدس , وحارب ملوك أوروبا الأشداء.

كل ما تقوله صحيح ؛ لكن عفوه وصفحه عن أعدائه كان أشد وقعاً عليهم من ضربات السيوف ؛ فقد أخذت أوروبا كلها ترتجف بعد انتصاره الحاسم في حطين , ترقباً للمذبحة التي ستحلّ بالصليبين في بيت المقدس انتقاماً لما فعلوه بالمسلمين.. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث.. لقد سمح صلاح الدين لأهل المدينة أن يغادروها بعد دفع فدية بسيطة للغاية! بل وأعتق من لم يقدر على دفع الفدية من فقراء الصليبين , وأطلق سراح من كان في أسر المسلمين من الأزواج والآباء , وأجزل العطاء من ماله الخاص للنساء والبنات اللائي قُتل أزواجهن وآباؤهن.

لقد أحدث صلاح الدين بفعله ذلك صدمة نفسية في العالم الصليبي!!

يقول الكاتب الأمريكي ول ديورانت في موسوعته قصة الحضارة: "كان شفيقاً على الضعفاء , رحيماً بالمغلوبين , يسمو على أعدائه في وفائه بوعده سمواً جعل المؤرخين المسيحيين يعجبون كيف يخلق الدين الإسلامي الخاطئ - في ظنهم - رجلاً يصل في العظمة إلى هذا الحد؟!". 

وحينما يكتب الشاعر الإيطالي دانتي كتابه "الكوميديا الإلهية" , والذي يصف فيه أهل الجنة والنار , لا يستطيع إلا أن يجعل صلاح الدين من أهل الجنة برغم أنه ينتمي -في نظره- إلى دين الكفار!!

لقد كسب صلاح الدين بأخلاقه أضعاف ما حققه بضربات السيوف.

ولم يكن للفيلم الشهير الذي أخرجه يوسف شاهين ولعب دور البطولة أحمد مظهر إلا متمما للشهرة على المستوي الشعبي، وإن كان الفيلم قد شوه الحقيقة!! وارتكب العديد من الأخطاء التاريخية.
هل يعقل عن فيلم يتحدث عن الحروب الصليبية والصراع بين الإسلام والغرب الصليبي، فإذا به يتجاهل تماما ذكر كلمات "إسلامية- إسلام – مسلمين"!!، فصلاح الدين هو خادم العرب.. سلطان العرب.. منقذ العرب. والقدس مدينة عربية. والعربي شجاع شهم!! ولا مكان للإسلام والمسلمين.
 وهذا الأمر جاء بسبب الفترة التي كتب فيها الفيلم، وفوران أحاديث القومية العربية. وتصوير الصراع مع الصهيونية على أنه صراع عربي – صهيوني , وليس للدين دخلا فيه ، رغم أن اليهود يتحركون في حربهم من منظور ديني.
هم يقولون: نحن أحفاد بني إسرائيل، ونريد أن نعيد أمجاد مملكة سليمان ونبني الهيكل المزعوم. ونحن نقول: نحن أحفاد بني كنعان، ولا مكان للقدس التي دخلها الخليفة عمر بن الخطاب، والأرض التي انتشر فيها الإسلام منذ القرن الأول الهجري وحتى اليوم.

وأخيرا.. يثير زيدان شبهة حول صلاح الدين بأن القدس التي حارب من أجلها، تم تسليمها هدية إلى الصليبين عام 628 هجريا.
هذا صحيح، لكنه حدث في عهد الملك الكامل ابن الملك العادل شقيق صلاح الدين. في أحداث كانت غريبة بما تحمله الكلمة. أثناء الحملة الصليبية السادسة. والتي كانت أغرب واحدة في سلسلة الحملات الصليبية قاطبة. فقائدها كان الإمبراطور فريدريك الثاني المحروم من الكنيسة والمطرود من رحمتها، وجاء الشام ومعه خمسمائة فارس فقط. جاء على وعد من الكامل أن يسلمه القدس إذا ساعده في صراعه مع أشقائه.
وحينما وصل، كان الصراع قد تم تسويته، واستعطف الإمبراطور السلطان الكامل، وكان مفرطا في تسامحه، وبعد مشاورات تم تسليم المدينة للصليبين في واقعة هزت العالم الإسلامي، ونشرت النقمة على الملك الأيوبي الذي فرط في جهود أسلافه بمنتهي اليسر.

وإلى السيد زيدان.. تستطيع أن تملأ ما تشاء من صفحات انتقادا لصلاح الدين الأيوبي، وهذا حقك وحق كل متأمل في التاريخ، طالما اعتمد على المصادر التاريخية والتفكير النقدي العلمي.
وقد سبقك العديد والعديد من المؤرخين والكتاب الذين لموا صلاح الدين في العديد من الخطوات.. مثلا بعد معركة حطين لم يتوجه للقد س مباشرة لافتتاحها مفضلا الاستيلاء على المدن الساحلية، تاركا الحرية لأهلها بين البقاء والرحيل، فكانوا يختارون الرحيل، وهكذا تجمعوا في مدينة صور، مما أدي إلى استحالة الاستيلاء عليها، وإلى تمكين الصليبين من اتخاذها مركزا لإحياء مملكة بيت المقدس.

ليست هناك تعليقات: