الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

تربية ابنك تبدأ من الحمل





جاء رجل إلى المفكر الجزائري مالك بن نبي يسترشد به لتربية ابن له ولد حديثا.. فسأله كم عمره؟ قال: شهر. قال: فاتك القطار !!. 
يقول بن نبي: كنت أظن في بادئ الأمر أني مبالغ ؛ ثم عندما نظرت وجدت أن ما قلته الحق , وذلك أن الولد يبكي فتعطيه أمه الثدي فينطبع في نفسه أن الصراخ هو الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد ويكبر على هذا!! .

مالك بن نبي ينبهنا إلى حقيقة غاية في الأهمية , وهي أن غالبية الآباء والأمهات يغفلون عن تربية الطفل الوليد , ظنا منهم أن الطفل في بداية حياته لا يعي ولا يدرك ما حوله..
واهم من يظن ذلك..!
فالطفل يبدأ في طرق أبواب العالم منذ أن ينفخ الله فيه من روحه , فيصول ويجول داخل عالم الرحم , ومن وقت لآخر , يدق على أبوابه , ويرسل لنا رسائل.

علماء الطب أكدوا أن الجنين يشعر وهو في رحم أمه بكل ما يدور في العالم الخارجي , ويتأثر بالمنبهات الصوتية الخارجية , بل ويستطيع أن يميز الأصوات. وسجلوا حالات كان نبض الجنين فيها يتباطأ عند سماع صوت أمه.
وكل هذا يعني أن عملية التربية لابد أن تبدأ قبل أن يعانق الجنين العالم الخارجي.

وحينما يأتي إلى الدنيا نهمل أهم سنوات عمره.. تلك هي السنوات الست الأولي التي تتشكل فيها شخصية الطفل , ومداركه , وأفكاره عن العالم , ونعتقد أنها سنوات لهو ولعب. بل أن الدكتور عبد الكريم بكار ينزل بعدد تلك السنوات إلى ثلاث فقط فيقول:
" السنوات الثلاث الأولي التي يظنها الكثيرون فترة لعب ولهو وعدم إدراك – هي ميلاد ثان للإنسان , وفيها تتشكل ملامح أسس السلوك الاجتماعي , الذي يظل ثابتا طوال العمر" .

صحيح أن وعي الطفل في شهوره الأولي يكون ضئيلا وإدراكه في أضيق الحدود . لكن غير صحيح على الإطلاق أنه لا يعي.. فهو يعرف ابتسامة الأم الحانية , ويأنس بها , ويفرح لها.. وهي يعي أيضا غضبها وينزعج منه ويبكي.

وفي شهوره الأولي لا يملك من وسائل التعبير إلا تلك البسمة التي تضئ وجهه , أو بكاء الخوف والقلق والجوع والألم .. مع حركات سعيدة في حالة الرضا , وحركات عصبية مع البكاء..

لهذا.. وكما تجري الاستعدادات على قدم وساق قبل الولادة لشراء مستلزمات الوافد الجديد, علي الآباء والأمهات أن يهيئوا أنفسهم للحدث الذي سيقلب حياتهم رأسا على عقب.

والمثل يقول: "التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.. والتعليم في الكبر كالنقش على الماء".. وهو مثل يدلل على سهولة التعليم في سنوات الطفولة الأولي.. تلك السنوات التي نهملها بزعم أن الطفل صغير, لا يعي, ولا يدرك!.

تلك السنوات تفرض علينا إذن أن تكون حذرين ونحن نتعامل مع أطفالهم.. فكل تجربة يخوضها الطفل تجربة سرور ورضا أو تجربة خوف أو انزعاج أو ألم أو قلق – تحفر مكانها في نفس الطفل.

انظر الآن وتأمل هذا المشهد..
عبد الله بن العباس رضي الله عنه وهم غلام يركب الدابة خلف رسول الله..
فينتهز الرسول هذه الفرصة من الصحبة في الجو الطلق, والذهن خال, والقلب مفتوح, فيعلم بن عباس كلمات " يا غلام إني أعلمك كلمات: أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف ".

ويروي لنا عمر ابن أبي سلمة هذا الموقف..
كنت غلاما في حجر رسول الله ( أي في رعايته) وكانت يدي تطيش في الصحفة ( أي في إناء الطعام , فيأكل من كل جوانب الصحن , يأكل من أمامه , ويأكل من أمام من يأكل معه , فهو يتتبع الطعام اللذيذ) فقال لي رسول الله : يا غلام سم الله , وكل بيمنك , وكل مما يليك.

ثلاثة نصائح علمها النبي للغلام: أن يذكر اسم الله قبل أن يتناول الطعام , وأن يأكل بيده اليمني, ويأكل من أمامه..
أنظروا كيف أثرت في نفس الغلام؟
يقول عمر: فما زالت تلك طعمتي بعد. أي من يوم أن أوصاني × بذلك.  
لقد أثمر الإرشاد, وتغيرت طريقة الغلام في الطعام إلى ما شاء الله له أن يعيش.
 
إشراقه:
قليل من الإدراك السليم، وقليل من التسامح، وقليل من المرح، وسوف تدهش عندما ترى كيف استطعت أن تريح نفسك على ظهر هذا الكوكب…
سومرست موم

من كتاب  ///

 https://www.goodreads.com/book/show/17336217
 

ليست هناك تعليقات: