الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

كن صيادا للمواهب





لم يتمتع بطفولة مترفة.. فقد كانت أسرته فقيرة , ينوء كاهل عائلها بستة من الأولاد , وكان هو السابع.. الأب والأم يكدحان طوال اليوم لتوفير الطعام لتلك الأفواه الجائعة.. ولاحظت الأم الحنون أن أصغر أبناءها يملك ذكاء متقدا , وعينا تنم على أن صاحبها سيكون له شأنا عظيما , وعقلا لا يكف عن التفكير , والتساؤل .. فعزمت على الاقتصاد من قوت البيت لإرساله إلى المدرسة, وهناك حدث ما لم تتوقع وكاد يطفئ عبقريته قبل أن تضيء.

في المدرسة, كان طفلا غريب الأطوار, كثير الشرود , كثير الأسئلة , فضاق به معلموه , ولم يكد يمر عليه سوي 3 أشهر حتى ضاق المعلم به زرعا وقال له: "أنت غبي..ولا فائدة من وجودك في المدرسة".

كلمات المدرس كانت كالسكين الذي جرح نفس الصبي الصغير , وبعين باكية قص الصبي على أمه ما حدث.. فذهبت نانسي إليوت Nancy Matthews Elliott  بطفلها إلى المدرسة لمناقشة رأي المعلم .. وأكدت أن ابنها عقلا ذكيا يدفعانه دوما للسؤال , فجاء رد المعلم قاسيا " ولكني لا أري أثرا لتلك النباهة يا سيدتي!!" . كانت تلك العبارة نهاية علاقة العبقري الصغير بمقاعد الدراسة.

تحدت الأم ذلك المعلم.. وأقسمت أن تجعل من ابنها عبقريا تفخر به البشرية. وفي البيت.. وفرت له كل السبل للقراءة , اقتطعت من قوت أسرتها , لتشتري الكتب والمجلات والجرائد.
وأثمرت الشجرة.. وتطايرت الأنباء عن ذلك العبقري الذي لا يكف عقله عن إخراج المخترعات التي تذهل الناس , حتى بلغ عددها أكثر من ألف اختراع.
وكلما غربت الشمس وراء الأفق , وأضاءت الكهرباء .. قدمت البشرية الشكر لذلك العبقري الذي اخترع المصباح الكهربائي, وأحال الليل إلى نهار.. أنه توماس إديسون. أحد أعظم المخترعين في تاريخ أمريكا.

بعد النجاح الذي وصل إليه, يقول إديسون: 
"أمي هي التي صنعتني , كانت واثقة من قدراتي , ولذلك شعرت بأن هناك شيئا أعيش من أجله , شخص يجب إلا أجعله يشعر بالإحباط".
فكن عزيزي الأب ..عزيزتي الأم.. من صائدي المواهب..
أعدا أبنائكما لينضما إلى قائمة العباقرة والأذكياء والموهوبين..
وأعلما أن..
الطاقات والقدرات التي يتمتع بها الطفل ليست دائما معدة للانطلاق ليصنع بها وتصنع به ما يشاء , إنما هي بذرة تظل كامنة في داخله تحتاج لمن يراعها ويقدم لها سبل الحياة فتشق الطريق نفسها وتنمو وتزهر.

ولا يجب أن يترك استكشاف المواهب والقدرات لظروف الحياة , لابد للأب أو الأم أن تبحث عنها في كل فرصة وكل مناسبة , حتى إذا التقي بها قدم لها وسائل الرعاية والاهتمام لتواصل طريقها إلى عام النور.

فإذا كان ابنك يتمتع بذوق فني ويحب الرسم فقدم له أدوات الرسم والألوان, وإذا كان يعشق مجال الكمبيوتر فأنر له الطريق ليصبح عبقريا تطبق شهرته المشارق والمغارب.. إذا كان صوته حسن في تلاوة القرآن فأرعاه وشجعه, ومن كان خطه جميل, فنمي موهبته بالتشجيع والثناء.

فالموهبة إذ لم تجد من يراعها ويحتضنها ذبلت وخمدت فيها روح الحياة..

في الرابع من سبتمبر 1998 عرف العالم أعظم وأكبر شركة في مجال الإنترنت.. شركة "جوجل" على يد كل من لاري بيدج larry page  وسيرجي برن Sergey Brin, رغم أنهما كانا مازالا طالبين في جامعة ستانفورد.

لكن البداية الحقيقة لجوجل تعود قبل هذا التاريخ بسنوات..
في عيد ميلاده التاسع, والذي يوافق 21 أغسطس, تسلم سيرجي برن هدية من والده.. جهاز كمبيوتر.. في وقت كان يعد امتلاك ذلك الجهاز يعد نادرا لارتفاع ثمنه.  
فكانت تلك بداية غرام ذلك العبقري بمجال الحاسب وتطبيقاته.


أما لاري بيج , فقد تشرب عشق الكمبيوتر من خلال والده الذي شجعه على مواصله الطريق الذي بدأه هو , فقد كان كارل بيج يعمل أستاذا في مجال علوم الكمبيوتر , ويعد رائدا في علوم الحاسب والذكاء الاصطناعي.  


وحتى يبدع الطفل..
يحتاج إلى الشعور بشيئين؛ كما أخبرنا الدكتور عبد الكريم بكار في كتابه "تأسيس عقلية الطفل", وهما: الأمان والحرية .. "ويتوفران من خلال اهتمام الأسرة وتعاملها مع أبنائها على أنهم كائنات فاعلة ومستقلة , مع تجنب إصدار الأحكام القاسية عليهم مثل وصمهم بالغباء أو عدم امتلاك الأهلية للنجاح.. الطفل المبتكر يحتاج إلى بيئة يشعر فيها بالدفء والحنان من قبل الكبار" وعدم مصادرة حريته في التعبير والحركة.

الكلمات السابقة تحذير من قتل المواهب بالعقاب النفسي والبدني. والأول خطره أشد؛ فلا يؤلم الجسد، ولكنه يحطم الروح والنفس، ويغتال أجمل المواهب, ويئد المشاعر والأحاسيس في مهدها.

فهل أنت من قاتلي المواهب أم من صائديها؟!!

ليست هناك تعليقات: