الاثنين، 28 أكتوبر 2013

ربي ابنك كالنسور ... من كتاب/ أرجوك لا تفعل هذا



ربي ابنك كالنسور

على قمم الجبال , وفوق الصخور العالية تبني النسور أعشاشها , تصادق الرياح العاصفة والمطر والرعد والبرق..
يستخدم ملك السماء في بناء عرشه أغصان جافة , يضعها فوق بعضها لتصنع له سياج دائري شاهق الارتفاع , وفي داخل تلك الدائرة الفولاذية يضع الزوجان حصى وأعشابا جافة , وفوقهما ريش ناعم.. الآن أصبح العش جاهزا لاستقبال ولي العهد الذي يبتهج بالريش وينعم بوالدين حنونان لا يصيبهما ملل أو كلل في سعيهما لإطعامه..
لكن أيها الصغير: انتبه.. للتدليل حد.
...
بمجرد أن يشب قليلا.. تأتي أصعب لحظة في حياته.
تقوم الأم بإزالة كل الأعشاب الجافة والريش وتقذفهما من أعلي الجبل. يتعجب الصغير من تلك القسوة المفاجئة.. فلا تجيبه الأم إلا بالصمت.. لا مفر إذا سوي الهروب من ذلك السجن القاسي.. ساعتها تنقض عليه الأم وتدفعه إلى أسفل الجبل!.
ماذا تفعلين يا أماه؟!..
ووسط صراخها وتشجيعها يبدأ الصغير في الرفرفة بجناحيه لينجو بحياته من موت محقق يتربص به في الأسفل , لكن جناحه لا يتحملاه طويلا.. فتخور قواه ويبدأ في التهاوي كطائرة أصابها عطب.. ويبرز الموت قريبا منه , كامنا على أسنة الصخور المدببة , مستعدا لابتلاعه..وفي اللحظة المناسبة.. تسرع الأم ؛ وتفرد جناحيها ؛ ليهبط عليها الصغير سليما.
لكن ماذا تفعلين أيتها الأم الحنون؟!
لا تعود بصغيرها إلى العش , بل عاليا إلى السحب تطير به , ثم تسقطه مرة أخري , فلا يجد الصغير بدا من الرفرفة , حتى إذا أوشك على السقوط , أسرعت مرة أخري وتلقفته على ظهرها , وتعاود الكرة مرات ومرات حتى يتعلم الصغير الطيران.

فهل تربي - عزيزتي الأم - ابنكِ كالنسور؟ أم أنتِ سجان يقيد حريته بقائمة طويلة من التعليمات التنبيهات والتحذيرات؟! فلا يذهب إلى الحضانة إلا في حراستك , تنتقين له الأصدقاء , نوع الملابس , الطعام الذي يتناوله.. تخططين له مستقبله , تحلمين بدلا منه.   

تفعلين ذلك وأنتِ واهمة أن العالم..ما هو إلا مكان مخيف ينذر دائما بالخطر.. في كل ركن يكمن شر مستتر.. لهذا تريدين أن تعيشي كل حياته , تتنفسي له , تأكلي له أن استطاعتي.. تظنين أنه قطعة سكر سوف تذوب تحت قطرات المطر إذ لم تكوني قريبة منه تحملي مظلة المطر.

لكن.. ألا تدركين..
أن قلقك سيسري كالسم إلى طفلك.. فيشب مثلكِ: قلقا , خائفا , متوجسا من كل تجربة , من كل خطوة يخطوها , مترددا , يكاد قلبه يهرب من صدره كلما وضعته الحياة موضع اختبار!.

فهل أبنائنا يحتاجون هذا منا؟..
هم يحتاجون الحب والحنان.. أن نعطيهم الثقة في مواجهة العالم.. أن ندعهم يخوضوا غمار الحياة بأنفسهم.. ونراقبهم كيف يتصرفون.. فإذا تعثروا مدننا لهم أيدينا , لا أن نظل متشبثين بأيديهم في كل مراحل حياتهم.. فنحن اليوم معهم وغدا قد لا تشرق علينا الشمس.

لنتركهم يتسلقون الجبل وحدهم.. قد يبدوا أنهم سيسقطون ما لم نمد لهم يد العون والمساعدة , لكن لندعهم يحاولون , فأن من لا يحاول لا يتعلم , ولنراقبهم من بعيد , ودون أن يشعروا , فلا نحاصرهم بوجودنا في كل دقيقة من حياتهم.

فالأبطال والقادة لا يمكن أن يربوا على أسرة من ريش , فالحياة كد وكدح, وتعب ونصب من أجل تحقيق الفوز في الدنيا والآخرة "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملقيه". والمدللون لا يقدرون على الكد , ويتساقطون أمام اختبارات الحياة.

عزيزتي الأم..
ماذا تأملين من طفل تتخذين له كل قراراته؟
ألن يكون ريشة في مهب الريح تحركه كيفما شاءت , كشجرة اللبلاب ؛ لا تنمو إلا بالاستناد على غيرها ! فهل هذا ما تتمنين لابنك؟!
اسمعكِ تقولين: أبدا..أبدا. أريد أن يكون أبني كالشجر يصمد أمام عواصف الحياة, وأعاصيرها, لا أن تهزه ريح خفيفة.

إذن.. أطفالنا يحتاجون إلى الحرية..
فالأطفال كلما أشرقت الشمس , وأضافت إلى رصيد حياتهم يوما جديدا , شعروا بالحاجة إلى أن يخوضوا صراعا مريرا مع أنفسهم ومع الآخرين لكي يظهروا بمظهر الكبار الذين يعرفون كل شئ ويقومون بكل شئ.. يريدون أن يشعروا بأنهم يستطيعون أن يجدوا طريقهم في الحياة دون أن يضطروا إلى الالتجاء إلى النصائح المباشرة للوالدين.

عبد الكريم بكار في كتابه "المسئولية" يقول: " إن الأطفال الذين يسمح لهم بتحمل المسؤولية , ويسمح لهم باتخاذ القرارات المستقلة .. تنمو لديهم الثقة بأنفسهم نحو مجابهة الواقف الصعبة الجديدة .. وإن الآباء حين يبالغون في المباعدة بين أبنائهم وبين المواقف الجديدة أو المشتملة على شئ من المشقة أو الخطورة فإنه ينمو لدي الأطفال الشعور بالخجل والخوف وعدم الاطمئنان حيال كل موقف , وكل عمل لم يسبق لهم مواجهته".

فلندع أطفالنا يتعرفون على حلو الحياة ومرارتها..
وليتذوقوا طعمها بألسنتهم لا بألسنتنا..
ليروا بأعينهم لا بأعيننا..
ليرسموا أحلامهم بريشتهم لا بريشتنا..
ويتعلموا المسئولية منذ الصغر.
فاليوم نحن معهم. وغدا.....  
 ******************************************
 من كتابي // 
أرجوك لا تفعل هذا
 

ليست هناك تعليقات: