الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

لا تفعل ذلك وإلا ضربتك !





هل أضرب أبني إذا أرتكب خطأ أم لا؟ وهل الضرب هو الوسيلة الناجحة لتربية الأبناء؟ وكيف يتم استخدامها؟ أليس اللجوء إلى الضرب يؤدي إلى عقد نفسية للأطفال, ويشعرهم بالكبت والاضطهاد؟

تلك الأسئلة وغيرها, تشغل بال كل المربين. فقد حدث اختلاف كبير حول اللجوء للعقاب الحسي, والعقاب المعنوي. فالنظريات الغربية في التربية تنبذ العقاب الحسي تماما وتري فيه وسيلة تضر أكثر مما تفيد, إذ تترك ندوبا في نفسية الطفل.

بينما يري المدافعون عن العقاب الحسي, أن الأجيال النافعة في المجتمع تربت على العقاب الحسي, وإن الرخاوة التي تعاني منها الأجيال الجديدة مرجعها إقصاء العقاب الحسي كطريقة تربوية.

وقد استفاضت الدراسات التي تحذر من اللجوء إلى الضرب كطريقة واحدة لمعاقبة الأطفال, حيث أكدت أن هذا النوع من التربية يؤدي إلى إنشاء أطفال تابعين, أو أطفال وقحين وجسورين ومسيطرين , فقد وجد أن الأطفال الذين قرر آباؤهم استخدام القسوة في تربيتهم قد أصبحوا أكثر وقاحة وعدوانية , كما وجد أن الأطفال العدوانيين قد استخدم في تربيتهم أسلوب يتسم بالقسوة والشدة المتناهية والمعارضة لرغبات الأطفال, والمنع والقهر والإجبار وتحميل الطفل من المسؤوليات أكثر مما يحتمل أو يطيق.

ويؤكد الخبراء التربويين أن التعنيف ليس الوسيلة الوحيدة لمعاقبة الطفل, حيث إنه يستمر لثواني معدودات ثم ينتهي, ويفضل بعض الأطفال تعنيف آبائهم لهم وضربهم عن حرمانهم من إحدى الامتيازات لعدة أيام. ينتهي التعنيف بالضرب سريعا ويعود الأطفال إلى ممارسة مغامراتهم.

فهل تعني تلك الدراسات والحقائق أن نقوم بإقصاء العقوبة بالضرب من قاموسنا التربوي؟ كتاب "الإبداع في تربية الأطفال" يجيب على هذا التساؤل بالقول: أن العقاب حينما يستخدم بطريقة صحيحة ملائمة فإنه يمحو أو يقلل من السلوك السيئ. لكن الاستخدام الصحيح للعقاب ليس أمرا سهلا, وهو يتطلب مثابرة ومتابعة, كما أن كل السلوكيات لا يمكن مساواتها في العقاب وطريقته.

وعلى المربي أن يعي أن العقوبة لا تعني فقط العقاب بالضرب, فالعقوبة نفسها درجات, تبدأ من الكف عن التشجيع, وهذه عقوبة لمن كان يتلقي تشجيعا من والديه, إلى الإعراض المؤقت عن الطفل, وإعلان عدم الرضا على تصرفاته, إلي العبوس وتقطيب الوجه, والمخاصمة الطويلة , والمقاطعة, إلى الحرمان من الأشياء المحببة للطفل, إلى الضرب الخفيف, إلى الضرب الموجع. وتلك أعلي الدرجات.

ولا ينبغي تجاوز تلك التدرجات واللجوء على الفور بالضرب وذلك لأكثر من سبب, منها ضرورة أن تكون هناك طرق عديدة لعقاب الطفل, لأنه سيخطي كثيرا وكثيرا خلال رحلته نحو التعلم واكتساب القيم والسلوكيات. وفي كل مرة يخطئ فيها يحتاج إلى عقوبة, ولهذا لا يمكن استخدام نوع واحد قاسي من العقوبة والاستغناء عن كل البدائل الأخرى.

كما أن هناك خطر في تعود جسم الطفل على الضرب, فلا يعود يشعر بالألم, ويتبلد حسه. وإذا حدث ذلك نكون قد فقدنا كل وسائلنا لعقوبة الطفل مرة واحدة, فمن لا يتأثر بالضرب الحسي لا يجدي معه الزجر والعبوس والتكشير.

حقيقة أخري يؤكد عليها أستاذنا محمد قطب في كتابه "منهج التربية الإسلامية" بقوله أننا لا يجب أن نلجأ للعقوبة أولا, إنما نبدأ بالتشجيع, ولا نلجأ للعقوبة إلا حين يفشل التشجيع أو حينما يتحول إلى شرطا مشروطا لقيام الطفل بالأعمال المطلوبة منه.

ويلفت نظرنا إلى حقيقة آخري هامة وهي ضرورة مراعاة الفروق الفردية بين طفل وطفل.
فهناك طفل لا تحتاج إلى تعاقبه مرة في حياتك .. فلم تعاقبه؟!
وهناك طفل عاقبه في إعراضك عنه, فلم تتجاوز ذلك إلى العقاب الحسي؟
وطفل يبكي إذا عبست في وجهه, فلم تتجاوز معه ذلك؟
وطفل يكفيه أن تهدده بالعقوبة حتى ينصاع لك,, فلم تتجاوز ذلك؟
وطفل لا ينصاع إلا إذا ذاق العقوبة الحسية, فلم لا تعاقبه وتكتفي بالاحتيال عليه أو الإعراض عنه.
الأمر إذن أنه لا توجد قاعدة واحدة تصلح لجميع الأحوال, ولكل الأطفال. فقد خلقنا الله مختلفين في الطباع والأمزجة.

وفي عقابك لطفلك لابد أن تستخدم عقابا منطقيا, يتناسب مع الخطأ الذي ارتكبه الطفل, أي تكون العقوبة متناسبة مع الجرم الذي اقترفه الطفل. فلا تكون هناك جرعة واحدة من العقوبة لا تتغير مهما كان الخطأ الذي يرتكبه الطفل, فإن ذلك يغريه لأن يرتكب الأخطاء الضخمة طالما كان عاقبها مساوي لعقاب الأخطاء الصغيرة.

والأفضل من إنزال العقوبة التهديد بوقوعها, حتى تظل مرهوبة في نفس الطفل. على ألا يعتقد الطفل أن التهديد هو لمجرد التهديد وليس التنفيذ. لأنه لو أحس بذلك فلن يهمه التهديد بطبيعة الحال!

ليست هناك تعليقات: