الخميس، 31 أكتوبر 2013

لو كان الرسول حيا !


كان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان , رضي الله عنه , يوما في الكوفة بالعراق يحدث أهلها عن الحبيب محمد صلي الله عليه وسلم , فقال له فتي من أهلها : يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحبتموه ؟ فقال حذيفة: نعم يا بن أخي , فقال الفتي : فكيف كنتم تصنعون ؟ , قال: والله لقد كنا نجتهد , فقال الفتي , كاشفا عن سر حديثه ذلك: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض , ولجعلناه على أعناقنا!


سكت حذيفة قليلا , وسرح بخاطره إلى معركة قاسية , وحرب ضروس , عاشها مع النبي , فتمثلت أمامه جيوش المشركين من قريش وغطفان ويهود تحيط بالمدينة في عشرة آلاف مقاتل , كموج المحيط الهادر يريد أن يقتحم المدينة المنورة فيقتلع بيوتها , ويغرق الإيمان في بحور النسيان.

عاودت تلك الذكريات حذيفة , وموقف شاهده بأم عينيه , فقص نبأه على الفتي الكوفي , فقال له : يا بن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله بالخندق , فصلي صلي الله عليه وسلم من الليل , ثم التفت إلى صحابته الكرام , فقال: من رجل يأتيني بخبر القوم – يقصد المشركين- وله الجنة؟, كان الله قد أرسل ريحا شديدا في تلك الليلة , اقتلعت خيام المشركين , وكبت قدورهم , وأطفأت نيرانهم , وأراد النبي أن يستيقن من أمرهم , فطلب من جنده أن يذهب أحدهم مختارا , ويعبر الخندق ليستطلع نبأ القوم , ويضمن له النبي العودة سالما , وفوق ذلك الجائزة الكبرى: الجنة , لكن لم يرد أحد, فلم تكن الليلة كما سواها من الليالي, في شدة بردها وسوادها.

كرر النبي نداءه: من يأتي بخبر القوم ويكون رفيقه في الجنة , فلم يسمع النبي إلا أصوات الرياح تجاوبه , فكرر الثالثة , فحظي بنفس الجواب , فما كان منه إلا أن اختار, وكان المختار هو حذيفة.

لما سمع حذيفة اسمه , لم يجد بدا من أن يقوم , ولندعه يقص علينا نبأ ما كان: " فذهبت فدخلت في القوم والريح , وجنود الله تفعل ما تفعل لا تقر لهم قدر ولا نار ولا بناء... ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام.... فارتحلوا فإني مرتحل".


ترًي ماذا كان رد فعل الشاب الكوفي المتحمس حينما استمع إلى حديث حذيفة؟!

ذاك ما لا تخبرنا عنا الكتب التي نقلت حديث حذيفة.

وأريد هاهنا أن نتوقف متأملين أمام تلك القصة التي حملت معاني عدة.. فها هم أولاء الصحابة , بشر من لحم ودم , يعرفون الخوف أحيانا , وهم ليسوا كائنات ملائكية نورانية نزلت من السماء !

هم بشر كسائر الناس , ولكنهم سموا ببشريتهم , وتربوا في مدرسة الرسول , ووعوا آيات القرآن , فارتقوا في مدارك الكمال.

دعك ممن يحدثك عن أنك مهما فعلت لن تصل إليهم..لا تعيره سمعك كي لا يصيبك اليأس والإحباط..
فهم بشر مثلنا , أصابوا وأخطئوا , ولكنهم علمونا الدرس: إذا أذنبا فلنسارع إلى التوبة..

وإذا كان الصحابة هم خير القرون التي ظهرت على الأرض , وكحلوا أعينهم برؤية الحبيب , وأي مني للقلب أن يعيش مع الحبيب , لكن النبي أيضا اشتاق إلى رؤيتك إذا سرت على دربه.

كان الرسول الكريم يوما جالسا مع أصحابه فقال لهم: وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانِي ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ ؟ قَالَ : أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِخْوَانِي قَوْمٌ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ.


فالذين يؤمنون بالإسلام ونبيه في هذا العصر ويحافظون على شعائر الدين ضد هجوم شياطين الأنس والجن لهم عند الله ونبيه مكانة ومنزلة خاصة..
اشتاق النبي إلى من يري هذا القابض على يدينه كالجمر..
"ومن العبث التطلع إلى عصر الصحابة , ولكن الرجولة والحزم في استغلال الواقع المتاح في إدراك منزلة حسنة عند الله" كما يقول الشيخ الغزالي عليه رحمة الله.

فإذا ما طمحت لرؤية الحبيب..فهو أيضا ينتظرك ويشتاق إليك...ولكي تفوز برؤيته عليك بالتدبر في الكتاب الذي تلقاه وحيا من السماء , وجاهد ليبلغك دعوة ربك..وأن يكون هو قدوتك , وبوصلتك في الحياة التي توجه بها سفينتك كي تصل بك إلى شاطئ النهاية السعيد..حيث يقف على الحوض منتظرك, في شوق الحبيب إلى حبيبه..لتشرب من يديه شربة لا تظمأ بعدها أبدا.



من كتابي عش سعيدا


ليست هناك تعليقات: